أجابت دار الإفتاء المصرية على سؤال حول حكم المسح على الخفين في فصل الشتاء، مؤكدةً جواز ذلك مع استيفاء شروط معينة. يأتي هذا التوضيح في ظل تزايد الاستفسارات حول أحكام الطهارة وتيسيرها على المسلمين في الظروف الجوية المختلفة، خاصةً مع برودة الطقس التي قد تعيق غسل القدمين. ويهدف هذا البيان إلى توضيح الضوابط الشرعية التي تتيح للمسلم التخفيف مع الحفاظ على صحة وسلامة وضوئه.
وأوضحت الدار أن المسح على الخفين جائز شرعاً إذا توافرت فيه شروط محددة، تشمل أن يكون الخفان قد لبسا بعد طهارة كاملة، وأن يكونا طاهرين في ذاتيهما، وأن يغطيان الكعبين، وأن يمنعا وصول الماء إلى القدم، وأن يكونا سميكين بما يكفي للمشي عليهما. ويعتبر هذا التوضيح جزءاً من جهود دار الإفتاء في تبسيط الفتاوى وتقديم النصح والإرشاد للمسلمين في شؤون دينهم.
المسح على الخفين: رخصة شرعية في ظل الظروف المناخية
تعتبر الشريعة الإسلامية من أكثر الشرائع اهتماماً بتيسير الأمور على عباد الله ورفع المشقة عنهم. وقد جاءت النصوص الشرعية تؤكد هذا المعنى، ففي القرآن الكريم قال تعالى: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” (البقرة: 185). كما أن السنة النبوية الشريفة مليئة بالأمثلة التي تدل على هذا التيسير، ومنها رخصة المسح على الخفين.
يعتبر المسح على الخفين من الرخص التي منحتها الشريعة الإسلامية للمسلمين، وهو إباحة بمسح ظاهر الخف باليد المبللة بدلًا من غسل القدمين بالماء. وقد وردت في ذلك أحاديث نبوية صحيحة، منها ما رواه البخاري عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، ثم أهوى لخلع خفيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “اتركهما فإني أدخلتهما طاهرتين”.
شروط جواز المسح على الخفين
لكي يكون المسح على الخفين صحيحاً وموافقاً للشريعة، يجب استيفاء شروط معينة. أهم هذه الشروط، وفقاً لما ذكره الفقهاء، هو أن يكون الخفان قد لبسا على طهارة كاملة، سواء كانت طهارة من الحدث الأصغر (الوضوء) أو الحدث الأكبر (الغسل). بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون الخفان ساترين لمحل الفرض، أي الكعبين، وأن يكونا مصنوعين من مادة لا تمتص الماء وتمنع وصوله إلى القدم.
كما يشترط أن يكون الخفان سميكين بما يكفي للمشي عليهما، وأن يكون المسح على الخفين يتم باليد المبللة، بمسح ظاهر الخف من الأصابع إلى الساق بمرة واحدة. هذه الشروط تضمن أن تكون الرخصة مقصورة على من يستحقها، وأن لا تؤدي إلى التفريط في أداء الطهارة على الوجه الصحيح.
مدة المسح على الخفين وأحكام السفر والإقامة
اختلف الفقهاء في تحديد مدة المسح على الخفين، إلا أن الرأي الراجح هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، وهو أن مدة المسح للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها. ويستند هذا الرأي إلى الأحاديث النبوية التي تحدد هذه المدة بوضوح.
في المقابل، يرى بعض الفقهاء من المالكية أن المسح على الخفين غير مقيد بمدة معينة، وأن المسلم يمكنه أن يمسح على خفيه ما دام مستوفياً للشروط الشرعية. ومع ذلك، يستحب عندهم نزع الخفين كل يوم جمعة. هذا الاختلاف في الرأي يعكس الاجتهادات المختلفة للفقهاء في فهم النصوص الشرعية وتطبيقها.
وفيما يتعلق بمسألة الخوف من البرد، فإن دار الإفتاء تؤكد على أن التخفيف في أحكام الطهارة جائز شرعاً عند الضرورة أو الحاجة، طالما أن ذلك لا يؤدي إلى إهمال الطهارة بشكل كامل. فإذا كان المسلم يخشى على نفسه الإصابة بمرض بسبب برودة الطقس، فإنه يجوز له أن يمسح على خفيه حتى بعد انتهاء المدة المحددة، مع مراعاة استيفاء جميع الشروط الشرعية الأخرى.
من المتوقع أن تستمر دار الإفتاء المصرية في تقديم التوضيحات والإرشادات حول أحكام الطهارة، خاصةً مع التغيرات المناخية والظروف الاستثنائية التي قد تواجه المسلمين. كما يُنصح المسلمون بالرجوع إلى دار الإفتاء أو إلى العلماء الثقات في حالة وجود أي استفسارات أو شكوك حول هذه المسائل. وستظل هذه الفتاوى مرجعاً مهماً للمسلمين في فهم وتطبيق أحكام دينهم.






