أبدى حاكم مصرف سورية المركزي، عبد القادر الحصرية، تفاؤلاً حذراً بشأن مستقبل الاقتصاد السوري، متوقعاً نمواً ملحوظاً في العام القادم. يأتي هذا التوقع في ظل توقعات بإلغاء قانون قيصر، وعودة تدفقات الاستثمار، وعودة اللاجئين، مما قد يدفع سوريا نحو التعافي الاقتصادي بعد سنوات من الصراع والعقوبات.
وأشار الحصرية في مقابلة مع “الشرق” إلى أن العام الحالي كان بمثابة مرحلة تحضيرية للاستقرار، وهو ما أكده صندوق النقد الدولي بعد زيارته الأخيرة و تقييمه لعمل المصرف المركزي. و يرى أن العوامل الداعمة للتعافي تتجاوز توقعات الصندوق، و تشمل عودة الاستثمارات و تحسن الأداء في قطاعات رئيسية.
آفاق النمو في الاقتصاد السوري: نظرة متفائلة مع تحديات مستمرة
توقع الحصرية نمواً للاقتصاد السوري بنسبة تتجاوز العشرة بالمئة في العام المقبل، معتبراً أن سوريا قد تصبح “النمر القادم بين الاقتصادات الناشئة” خلال العقد القادم. يعتمد هذا التوقع على عدة عوامل رئيسية، بما في ذلك عودة ما يقرب من مليون لاجئ سوري، و التعافي في قطاعات التصنيع والنقل والإنتاج والسياحة، بالإضافة إلى التدفقات المالية المتوقعة و المشاريع الإسكانية الضخمة.
توصيات صندوق النقد الدولي
أوصى صندوق النقد الدولي بتوسيع الحيز المالي في موازنة سوريا لعام 2026، بهدف تلبية الاحتياجات الأساسية ودعم الفئات الأكثر ضعفاً. وشدد الصندوق على أهمية أن تستند الموازنة إلى افتراضات واقعية للإيرادات والتمويل، مع الأخذ في الاعتبار التحديات الاقتصادية المستمرة.
دور قانون قيصر في التعافي الاقتصادي
يرى الحصرية أن إلغاء قانون قيصر سيمثل نقطة تحول حقيقية في الاقتصاد السوري، حيث سيؤدي إلى زيادة كبيرة في الاستثمارات و تحسين حركة النقل و تعزيز مساهمة القطاع المالي في الناتج المحلي الإجمالي. و يتوقع أن يتم إلغاء القانون بالكامل قبل نهاية العام الحالي، بعد إقراره من قبل مجلس النواب الأمريكي.
و أضاف أن إلغاء العقوبات سيسمح للنظام المالي السوري بالعودة إلى نظام “سويفت” العالمي، و بدء التعامل مع المصارف العالمية، وفتح حسابات في البنوك المركزية الكندية والإماراتية، و العمل على فتح حساب في الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. هذه الخطوات ستسهل استقبال التدفقات والاستثمارات المتوقعة.
القطاع المالي والاستثمارات الأجنبية: محركات رئيسية للنمو
أكد الحصرية أن القطاع المالي سيكون المستفيد الأكبر من رفع العقوبات، مشيراً إلى أن العقوبات تسببت في عزلة القطاع و مشاكل بنيوية. و لفت إلى أن هناك العديد من مذكرات التفاهم للاستثمارات في قطاعات مختلفة مثل الطاقة والنقل والإسكان والسياحة، مما يشير إلى ارتفاع احتمالات تحولها إلى استثمارات حقيقية على أرض الواقع.
وذكر أن السعودية وقطر والإمارات وتركيا كانت من بين الدول الأكثر دعماً لرفع العقوبات، وأن السعودية قدمت دعماً كبيراً لسوريا في دفع مستحقاتها لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. و تشارك حالياً أربع شركات سعودية كبرى في مشاريع للطاقة في سوريا.
مكافحة التضخم و تطوير العملة
فيما يتعلق بالتضخم، تشير التقديرات الأولية إلى تراجعه من 170% إلى حوالي 15%. يعزو هذا الانخفاض إلى فتح باب الاستيراد و خفض الرسوم الجمركية و تحسن سعر الصرف بنسبة 30%. و أكد الحصرية أن المصرف المركزي يركز على تطبيق الانضباط المالي و وقف تمويل العجز عبر طباعة النقود.
كما كشف عن أن مشروع العملة الجديدة في مراحله النهائية وسيتم طرحه “قريباً”، مع التأكيد على الشفافية و المهنية في الإعلان عن التفاصيل المتعلقة بالإصدار و الفئات و مدة الاستبدال.
و يمتلك المصرف المركزي استراتيجية شاملة ترتكز على أربعة محاور رئيسية: السياسة النقدية، القطاع المالي، نظام المدفوعات، والاندماج في النظام المالي العالمي. و يتم حالياً تنفيذ 65 مشروعاً لتحقيق هذه الأهداف.
بالإضافة إلى ذلك، هناك خطة لإعادة تأهيل المصارف الحالية و ترخيص مصارف جديدة بهدف الوصول إلى ما بين 30 و 35 مصرفاً بحلول عام 2030. و يتم العمل على معالجة الملفات المعقدة مثل الانكشاف البنكي على لبنان و استعادة ودائع القطاع الخاص.
في الختام، يظل مستقبل الاقتصاد السوري مرتبطاً بشكل كبير بتطورات سياسية واقتصادية إقليمية ودولية. و من المتوقع أن يشهد العام القادم خطوات ملموسة نحو التعافي، و لكن يبقى من الضروري مراقبة تطورات إلغاء قانون قيصر، و تدفقات الاستثمار، و جهود مكافحة التضخم، و تطوير القطاع المالي. و يبقى السؤال حول مدى قدرة سوريا على تحقيق النمو المستدام و استعادة مكانتها في الاقتصاد الإقليمي و العالمي مفتوحاً.




