شهدت الأسواق العالمية تراجعًا ملحوظًا يوم الجمعة، مع إقدام المستثمرين على جني الأرباح من الأسهم التي حققت مكاسب كبيرة بفضل الرهانات على الذكاء الاصطناعي، مما أدى إلى هبوط المؤشرات الرئيسية وارتفاع عوائد السندات طويلة الأجل. يأتي هذا التراجع بعد فترة صعود قوية قادتها شركات التكنولوجيا، وتحديدًا تلك المرتبطة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
بدأ الانخفاض مع توقعات أرباح مخيبة للآمال من شركة برودكوم، مما أثر سلبًا على أسهم شركات الرقائق الأخرى وزاد من قلق المستثمرين بشأن التقييمات المرتفعة لقطاع الذكاء الاصطناعي. وتفاقم هذا القلق بعد تقارير عن تأجيلات في مشاريع مراكز البيانات الخاصة بشركة أوراكل، والتي تعتبر حيوية لتطوير الذكاء الاصطناعي.
جني الأرباح يضغط على أسواق الأسهم العالمية
انخفض مؤشر ناسداك 100 بنسبة 1.9%، بينما تراجع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 1.1% بعد أن سجل إغلاقًا قياسيًا في الجلسة السابقة. كما شهد كل من مؤشر داو جونز الصناعي ومؤشر راسل 2000 تراجعًا من مستويات قياسية. ويعزو المحللون هذا التراجع إلى عوامل متعددة، بما في ذلك جني الأرباح بعد مكاسب كبيرة، وتزايد المخاوف بشأن التقييمات المرتفعة، وتأثير الأخبار السلبية على شركات الذكاء الاصطناعي.
أشار لويس نافيليه، كبير مسؤولي الاستثمار في نافيلييه آند أسوشيتس، إلى أن عمليات جني الأرباح كانت متوقعة بعد الصعود الأخير. ووصف الوضع بأنه “انكماش لفقاعة الذكاء الاصطناعي، وليس انفجارًا”، معربًا عن قلقه من أن المخاوف بشأن اتفاقيات أوبن إيه آي قد تعيق تحقيق مكاسب إضافية.
تأثير قرارات الفيدرالي
على الرغم من التفاؤل الذي أثاره قرار الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة للمرة الثالثة على التوالي هذا الأسبوع، إلا أن المستثمرين اضطروا إلى التعامل مع رسائل متباينة من مسؤولي الفيدرالي. فقد أبقى الفيدرالي على توقعاته بخفض واحد فقط في أسعار الفائدة بحلول عام 2026، مما أثار مخاوف بشأن توقف دورة التيسير النقدي.
علاوة على ذلك، أدت تصريحات مسؤولي الفيدرالي، مثل بيث هاماك وجيف شميد، إلى زيادة الضغط على الأسواق. فقد أشارت هاماك إلى تفضيلها لأسعار فائدة أكثر تقييدًا لمكافحة التضخم المستمر، بينما أشار شميد إلى أنه عارض قرار خفض أسعار الفائدة بسبب استمرار التضخم وقوة الاقتصاد.
مخاوف بشأن التضخم وتكاليف البنية التحتية
ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 30 عامًا بمقدار 6 نقاط أساس إلى أعلى مستوى في ثلاثة أشهر، مما يعكس تزايد المخاوف بشأن التضخم. كما أن تكاليف بناء البنية التحتية اللازمة لدعم الذكاء الاصطناعي، مثل مراكز البيانات، بدأت تظهر كعائق محتمل أمام النمو المستقبلي.
يرى جو مازولا، رئيس استراتيجيات التداول والمشتقات في تشارلز شواب، أن هذا التراجع قد يكون مجرد فترة راحة لوول ستريت بعد الوتيرة المحمومة الأخيرة. وأضاف أن نقص البيانات الاقتصادية الهامة وعطلة نهاية الأسبوع القريبة قد دفعا المستثمرين إلى تبني موقفًا حذرًا.
التنويع كاستراتيجية رئيسية في ظل تقلبات السوق
في ظل هذه الظروف، أصبح التنويع عبر مختلف الأسواق والقطاعات عاملاً رئيسياً في قرارات الاستثمار. فبعد أن قادت شركات التكنولوجيا مكاسب الأسهم خلال معظم العام، يتجه المستثمرون إلى البحث عن فرص في قطاعات أخرى، مثل الأسواق الناشئة والأسهم التي لم تشارك في الصعود الأخير.
كتب مارك ويلسون من غولدمان ساكس أن التنويع أصبح “الثمن الذي يجب سداده” للحفاظ على استثمارات كاملة في الأسهم. وأشار إلى أن هناك قصصًا استثمارية جذابة في كوريا واليابان والصين والأسواق الناشئة الأخرى.
توقعات إيجابية على المدى الطويل
على الرغم من التراجع الحالي، لا يزال استراتيجيون في غولدمان ساكس يتوقعون تسجيل الأسهم مستويات قياسية جديدة العام المقبل، مدفوعة بالنمو الاقتصادي القوي والاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي. ويتوقعون وصول مؤشر ستاندرد آند بورز 500 إلى حوالي 7600 نقطة بحلول نهاية عام 2025، مما يمثل مكاسب تقارب 10% من المستويات الحالية.
تتشارك هذه التوقعات الإيجابية مع محللين ومديري أصول آخرين، حيث تتوقع مؤسسات مثل مورغان ستانلي ودويتشه بنك وآر بي سي كابيتال ماركتس ارتفاعًا في الأسهم الأمريكية بأكثر من 10%.
وفي أوروبا، لا يرى أي من الاستراتيجيين الذين شملهم استطلاع بلومبرغ حدوث تراجع كبير، ويتوقع أربعة منهم مكاسب تقارب 13% مقارنة بإغلاق الأربعاء.
يتوقع بعض المستثمرين تحقيق مكاسب خلال فترة أقصر، مع استمرار الصعود قبل نهاية عام 2025، مع انتقال الاستثمارات إلى الأسهم التي ظلت مستقرة حتى الآن. ويرى روبرت إدواردز، كبير مسؤولي الاستثمار في إدواردز أست مانجمنت، أن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 قد يصل إلى 7000 نقطة بحلول نهاية العام، وأن هذه المكاسب ستستمر في عام 2026.
بشكل عام، تشير التوقعات إلى أن الأسواق ستشهد تقلبات مستمرة في المدى القصير، ولكنها ستستأنف مسارها الصعودي في المدى الطويل، مدفوعة بالابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي والنمو الاقتصادي العالمي. ومع ذلك، يبقى تقرير الوظائف الأمريكي المقرر إصداره يوم الثلاثاء المقبل نقطة مراقبة رئيسية للمستثمرين، حيث يمكن أن يقدم المزيد من الأدلة حول مسار الاقتصاد والتضخم.




