أثار إعلان وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بشأن استبعاد جنوب أفريقيا من قمة مجموعة العشرين المقررة في ميامي عام 2026، ردود فعل قوية من بريتوريا. رفض وزير العلاقات الدولية والتعاون الجنوب أفريقي رونالد لامولا هذا الإجراء، مؤكداً أن بلاده، كعضو مؤسس في مجموعة العشرين، لا يمكن استبعادها من جانب واحد. تأتي هذه التطورات في ظل توترات متصاعدة بين البلدين حول قضايا اقتصادية وسياسية.
جاء رد لامولا في بيان رسمي، حيث اعتبر أن اتهامات الولايات المتحدة لبلاده غير مبررة. وأكد أن رئاسة جنوب أفريقيا لمجموعة العشرين تركز على تعزيز مشاركة الدول الأفريقية ودول الجنوب العالمي كشركاء متساوين في صنع القرار العالمي. كما أشار إلى التقدير الذي أبداه ممثلون عن دول كبرى مثل الهند واليابان وألمانيا وفرنسا للتنظيم والضيافة التي قدمتها جنوب أفريقيا خلال القمة الأخيرة في جوهانسبرغ.
اتهامات أمريكية وتأثيرها على مكانة جنوب أفريقيا في مجموعة العشرين
اتهم روبيو الحكومة الجنوب أفريقية بسوء الإدارة الاقتصادية، والاستقطاب السياسي، والفساد، واتخاذ مواقف معادية للولايات المتحدة في الساحة الدولية. وأضاف أن التراجع الاقتصادي في جنوب أفريقيا، والذي يعزى جزئياً إلى التمييز التاريخي، أدى إلى خروجها من قائمة أكبر 20 اقتصاداً صناعياً في العالم. هذه التصريحات أثارت جدلاً واسعاً حول دوافع الولايات المتحدة الحقيقية وراء هذا الإجراء.
الخلافات الاقتصادية والسياسية
تأتي هذه الخلافات في وقت تواجه فيه جنوب أفريقيا تحديات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة والتضخم. بالإضافة إلى ذلك، يثير قانون نزع ملكية الأراضي الذي تم توقيعه مؤخراً جدلاً واسعاً، حيث يسمح للحكومة بنزع ملكية الأراضي دون تعويض كامل، بهدف تسريع عملية إعادة توزيع الأراضي. ترى الولايات المتحدة أن هذه السياسات تؤثر سلباً على الاستثمار الأجنبي وتزيد من حالة عدم اليقين الاقتصادي.
في المقابل، تدافع جنوب أفريقيا عن سياساتها، مؤكدة أنها تهدف إلى معالجة التفاوتات التاريخية وتحقيق العدالة الاجتماعية. ويشير المسؤولون الجنوب أفريقيون إلى أن البلاد حققت تقدماً كبيراً في جميع المجالات خلال العقود الثلاثين الماضية، على الرغم من إرث الاستعمار ونظام الفصل العنصري. ويؤكدون أن اقتصاد البلاد تضاعف خلال هذه الفترة، وأن جنوب أفريقيا لا تزال ملتزمة بتعزيز النمو الاقتصادي المستدام والشامل.
تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة غابت عن قمة مجموعة العشرين التي استضافتها جنوب أفريقيا الشهر الماضي، وهو ما اعتبره البعض إشارة إلى تدهور العلاقات بين البلدين. وبرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاطعته للقمة بوجود أحداث عنف تستهدف البيض في جنوب أفريقيا، وهو ما نفته الحكومة الجنوب أفريقية بشدة. كما منحت الولايات المتحدة صفة لاجئ لمزارعين جنوب أفريقيين بيض، مما أثار المزيد من الجدل.
ردود الفعل الدولية
أثارت خطوة الولايات المتحدة انتقادات من بعض الدول الأعضاء في مجموعة العشرين، التي اعتبرتها غير مسبوقة وتتعارض مع مبادئ التعاون والتعددية. ويرى بعض المراقبين أن هذا الإجراء قد يؤدي إلى تفاقم الانقسامات داخل المجموعة وتقويض فعاليتها. بينما أعربت دول أخرى عن تفهمها لمخاوف الولايات المتحدة، إلا أنها أكدت على أهمية الحفاظ على وحدة المجموعة وتعزيز الحوار بين جميع الأعضاء.
تعتبر قضية العلاقات الدولية بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة ذات أهمية كبيرة، ليس فقط بالنسبة للبلدين المعنيين، بل أيضاً بالنسبة لمستقبل التعاون العالمي. وتشكل السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وتحديداً تجاه الدول الأفريقية، جزءاً أساسياً من هذه المعادلة.
في الختام، من المتوقع أن تشهد الأيام القادمة مزيداً من التطورات في هذا الملف. من المرجح أن تسعى جنوب أفريقيا إلى إجراء حوار مع الولايات المتحدة لتهدئة التوترات وإيجاد حلول للخلافات القائمة. في الوقت نفسه، ستراقب الدول الأعضاء الأخرى في مجموعة العشرين عن كثب هذه التطورات، وتقييم تأثيرها على مستقبل المجموعة. يبقى من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستعدل عن قرارها باستبعاد جنوب أفريقيا، أو ما إذا كانت ستتمكن من التوصل إلى اتفاق مع بريتوريا قبل قمة ميامي عام 2026.






