في مشهد تقني يسيطر عليه الغرب، يمثل نموذج الذكاء الاصطناعي العربي “ثورة” محاولةً بارزةً للإجابة على سؤال قديم: أين يقع العالم العربي في سباق الذكاء الاصطناعي؟ هذا النموذج، الذي طوره شقيقان سوريان، لا يقتصر على كونه منتجًا عربيًا فحسب، بل يتبنى أيضًا نهجًا تقنيًا مختلفًا يركز على الخصوصية والاستدامة، وفقًا لتقارير إعلامية.
ولد “ثورة” من فكرة هاني وسعيد الشهابي، اللذين غادرا سوريا قبل عام 2011 واستقرا في ألمانيا، حيث توجها نحو دراسة وتطوير علوم الحاسوب. بعد سنوات من العمل في شركات تقنية ألمانية كبرى، قررا إطلاق نموذج ذكاء اصطناعي يعكس قيمهما ويخدم احتياجات المستخدمين العرب، مع التركيز على حماية البيانات وتقديم معلومات موثوقة.
تقنية مختلفة جوهريًا في الذكاء الاصطناعي العربي
لا يقتصر تميز “ثورة” على لغته العربية، بل يمتد إلى بنيته التحتية وطريقة عمله. يعتمد النموذج على GLM-4.5 Air، وهو نموذج مفتوح المصدر من نوع “خليط الخبراء”، يتميز بامتلاكه أكثر من 100 مليار معلمة. بدلاً من تفعيل جميع هذه المعلمات في كل استعلام، يقوم “ثورة” بتفعيل 12 مليار معلمة فقط، مما يجعله أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة والموارد.
هذا النهج يختلف بشكل كبير عن النماذج التقليدية مثل ChatGPT، التي تعتمد على تفعيل جميع المعلمات في كل مرة، مما يتطلب قوة حوسبية هائلة واستهلاكًا كبيرًا للطاقة. ويزعم مطورو “ثورة” أن نموذجهم أكثر فعالية بنسبة 93% من ChatGPT في هذا الصدد، بالإضافة إلى كونه أكثر صداقة للبيئة.
وتشير التقارير إلى أن هذه الطريقة تسمح لـ “ثورة” بالعمل بسرعة ودقة أكبر في المهام التي لا تتطلب قوة حوسبية كبيرة، كما أنها تقلل من تكلفة التشغيل.
الخصوصية كأولوية قصوى
يولي “ثورة” أهمية قصوى لخصوصية المستخدمين. يعتمد النموذج على خوادم DigitalOcean و TogetherAI inference، وهما مزودان بخدمات خوادم آمنة ومستقلة عن الشركات الكبرى والحكومات. وهذا يعني أن جميع المحادثات التي تتم مع “ثورة” تظل محمية ولا يمكن الوصول إليها أو تحليلها من قبل أطراف خارجية.
على الرغم من أن “ثورة” يحتفظ ببعض المحادثات لأغراض تقنية وتحسين الأداء، إلا أنه يضمن عدم استخدام هذه البيانات لأغراض تجارية أو سياسية. هذا الالتزام بالخصوصية يجعله خيارًا جذابًا للمستخدمين الذين يشعرون بالقلق بشأن كيفية استخدام بياناتهم من قبل شركات الذكاء الاصطناعي الأخرى.
هوية عربية ودعم للقضايا الإقليمية
يرى هاني الشهابي أن إطلاق “ثورة” هو استجابة لغياب الأصوات العربية في مجال الذكاء الاصطناعي، وللتغطية الإعلامية الغربية المتحيزة للأحداث في المنطقة، مثل القضية الفلسطينية. ويهدف النموذج إلى تقديم محتوى يعكس وجهات النظر العربية ويدعم القضايا التي تهم المجتمعات العربية.
ويؤكد الشهابي وشقيقه أن “ثورة” مصمم خصيصًا للمستخدمين الذين يبحثون عن ذكاء اصطناعي يتمتع بضمير حي ويحترم الخصوصية ويدافع عن المجتمعات المهمشة. ويعتبرون أن هذا النموذج هو خطوة نحو بناء مستقبل تقني أكثر عدلاً وإنصافًا.
التحديات والفرص المستقبلية
تواجه “ثورة” تحديات كبيرة في المنافسة مع نماذج الذكاء الاصطناعي العملاقة المدعومة بموارد مالية وبشرية هائلة. ومع ذلك، فإن تركيزه على الخصوصية والاستدامة والهوية العربية يمنحه ميزة تنافسية فريدة.
من المتوقع أن يشهد “ثورة” تطورات مستمرة في الأشهر والسنوات القادمة، مع إضافة المزيد من الميزات والتحسينات. ويعتبر نجاح هذا النموذج مؤشرًا على قدرة العالم العربي على الابتكار والمساهمة في مجال الذكاء الاصطناعي.
ما يجب مراقبته في المستقبل القريب هو مدى تبني المستخدمين العرب لـ “ثورة”، وكيف سيتمكن النموذج من التغلب على التحديات التقنية والمالية، وما إذا كان سيتمكن من جذب الاستثمارات اللازمة لتوسيع نطاق عمله.






