حذر خبراء عالميون من أن مصادر التلوث الناجمة عن الحروب تهدد البيئة لأجيال قادمة. مشيرين إلى أنها تتراوح ما بين تلوث الهواء والماء والتربة من جراء القصف، وبقايا الذخائر، وتسرب المواد الكيميائية، وتسرب الوقود، أو ببساطة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من صناعة الأسلحة واستخداماتها.

وذكر تقرير لشبكة راديو وتلفزيون سويسرا /أر تى أس/ أن الضرر البيئي في قطاع غزة لا يُحصى والأراضي الزراعية مدمرة بشكل كبير – تصل إلى 95% وفقًا للتقديرات – وملوثة بشدة، مما يعرض الأمن الغذائي للأجيال القادمة للخطر . مشيرا إلى أن القصف الإسرائيلي المتزايد قد يؤدى إلى جعل الأرض في الجيب الفلسطيني غير صالحة للسكن، وقد أدانت العديد من الجهات الفاعلة بالفعل ما سمته “الإبادة البيئية” .

وفي مناطق الصراع في أوكرانيا ، عندما تنفجر الطائرات المسيرة يوميًا على خطوط المواجهة، فهذا يعني كمية كبيرة من البطاريات التي تحتوي على النيكل والرصاص والكادميوم، بالإضافة إلى كميات هائلة من الملوثات الثقيلة، والتي ستبقى في الأراضي الزراعية لمئات السنين، وتصبح غير صالحة للاستخدام لقرون،”.

وأشار الراديو إلى أن النزاعات الحالية لا تزال تُسبب تلوثًا أقل من الحروب الكبرى في القرن العشرين، سواءً الحربين العالميتين أو الحرب الباردة. 

وأكد فابيان لوشر، المؤرخ في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي والمتخصص في العلاقة بين الحرب والبيئة، إلى أن “حروب اليوم، في الوقت الحالي، أكثر محلية.. لذا يُمكن القول إنها تُسبب تلوثًا أقل بشكل عام لأن نطاقها أصغر”.

وتابع قائلًا “تسببت الحرب الباردة أيضًا في أضرار بيئية كبيرة، لأن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي استعدا للحرب لفترة طويلة”، لا سيما مع إجراء أكثر من 1500 تجربة نووية وكمية كبيرة من النفايات والمخلفات المشعة.

ووفقا للشبكة، أعادت الضربات الإسرائيلية والأمريكية الأخيرة على المواقع النووية في إيران إحياء شبح هذا النوع من التلوث. لكن حتى الآن، لم ترصد الوكالة الدولية للطاقة الذرية أي تلوث.

وإلى جانب الأضرار الجانبية، يمكن أن يصبح تدمير البيئة استراتيجية حرب قائمة بذاتها. ويمكن العثور على آثار “سياسة الأرض المحروقة” منذ عام 500 قبل الميلاد، كتكتيك عسكري يهدف إلى تدمير موارد منطقة ما عمدًا لجعلها غير صالحة للاستخدام من قبل “العدو”، أو حتى أحفاده.

لكنها اتخذت بعدًا جديدًا تمامًا عندما أصبحت جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية الجيش الأمريكي خلال حرب فيتنام، مع استخدام الأسلحة الكيميائية، كما يرى لوشر الذي قال “إنها فكرة أننا سندمر البيئة لتدمير العدو.. في حالة فيتنام، كان الأمر يتعلق بتدمير الغابات الفيتنامية لمهاجمة القوات المعادية بشكل غير مباشر.”

ولتحقيق ذلك، لجأت الولايات المتحدة إلى النابالم سيئ السمعة والإسقاط الجوي لمادة 245T المُزيلة لأوراق الأشجار، والمعروفة باسم “العامل البرتقالي”. 
وفي غضون عشر سنوات، تم تدمير ما يقرب من ثلث غابات فيتنام، وأصبح الفيتناميون أول بشر يتعرضون للديوكسين على نطاق واسع. وبعد سنوات، لا يزال الناس يولدون بإعاقات.

ووفقًا لفابيان لوشر، من الصعب جدًا تحديد مدى هذا التلوث. وأوضح قائلًا “غالبًا ما تُستثنى الأنشطة العسكرية من اللوائح البيئية. فهي تعتبر استثناءً مقارنةً باللوائح العادية. لذا، فبينما لا يحد هذا من الأثر البيئي للحرب، فإنه يصعب أيضًا تقييم أثرها البيئي”.

مع ذلك، نظريًا، يمكن للمحكمة الجنائية الدولية مقاضاة الجرائم ضد البيئة. لكن عمليًا، تطبيقها معقد، لا سيما أن المحكمة لا تعترف حتى الآن بالإبادة البيئية.

شاركها.