الخرطوم – خلال الأشهر الماضية، واجهت العائلات في ولاية الخرطوم ظروفًا قاسية بسبب الحرب الدائرة، بما في ذلك اضطرارهم لدفن موتاهم في أماكن غير مخصصة للدفن. الآن، بدأت حملة منظمة لنقل الرفات من هذه المواقع المؤقتة إلى مقابر رسمية، مما يثير مشاعر معقدة لدى الأسر المتضررة ويضع تحديات لوجستية وقانونية أمام السلطات.

تأتي هذه المبادرة بعد أشهر من المعارك العنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والتي جعلت الوصول إلى المقابر التقليدية مستحيلاً في كثير من المناطق. اضطرت العائلات لدفن أحبائهم في ساحات المنازل والمدارس والمساجد، وحتى في الميادين العامة، في ظل ظروف مروعة. الآن، تسعى الحكومة إلى إعادة تنظيم المشهد وتقديم بعض الراحة للأسر التي فقدت أحباءها.

حملة منظمة لنقل الرفات

أعلنت ولاية الخرطوم في بداية ديسمبر الحالي عن إطلاق حملة واسعة النطاق لحصر ونقل رفات المتوفين من مواقع الدفن العشوائية إلى مقابر مجهزة. تشكلت لجان ولائية ومحلية تضم ممثلين عن الطب الشرعي والدفاع المدني والهلال الأحمر السوداني، بالإضافة إلى لجان التسيير والخدمات بالأحياء، للإشراف على هذه العملية الحساسة.

وقال المدير التنفيذي لمحلية بحري عبد الرحمن أحمد عبد الرحمن إن الهدف من هذه الحملة هو تخفيف العبء النفسي على الأسر وتنظيم المشهد الصحي والإنساني في الخرطوم. وأضاف أن الحملة تتم تحت إشراف “اللجنة العليا لجمع رفات المتوفين”، وتستهدف جميع المناطق المتضررة.

مراحل عملية النقل

تعتمد عملية نقل الرفات على أربع مراحل رئيسية، وفقًا لما صرح به مسؤولون في الولاية:

  • حصر مواقع الدفن الاضطراري داخل الأحياء السكنية.
  • إبلاغ العائلات وإشراك ممثلين عنهم في كل خطوة من عملية النبش وحتى الدفن.
  • نبش الرفات تحت إشراف متخصصين من الطب الشرعي لضمان التعامل مع الجثامين باحترام وكرامة.
  • إعادة الدفن في مقابر مخصصة مع توثيق كامل للبيانات لضمان تحديد هوية الضحايا.

من جهته، أوضح مدير هيئة الطب الشرعي بولاية الخرطوم هشام زين العابدين أن عمليات نقل رفات الضحايا بدأت بالفعل في المناطق التي استعادها الجيش السوداني. وأشار إلى أن الفرق الميدانية قامت بدفن جثامين لمواطنين ومقاتلين في مقابر رسمية.

وأكد زين العابدين أن الربع الأول من العام 2026 سيشهد خلو الخرطوم من أي قبر مدفون خارج المقابر المخصصة. ومع ذلك، أشار إلى وجود تحديات تواجه عمل الفرق الميدانية، بما في ذلك نقص الأكياس المخصصة للجثامين والمعدات اللازمة.

تحديات تواجه عملية النقل

بالإضافة إلى التحديات اللوجستية، تواجه الحملة بعض العقبات الأخرى. أفاد زين العابدين أن قوات الدعم السريع قامت بتخريب وحدات الحمض النووي (DNA) المخصصة لحفظ عينات من الجثامين، مما صعّب مهمة التعرف على الكثير من الضحايا. وفي هذه الحالات، يتم ترقيم الجثامين وتوثيق مراحل الدفن، ثم دفنها في مقابر مخصصة لمجهولي الهوية.

وتواجه اللجان المحلية أيضًا صعوبات في التواصل مع الأسر المتضررة وتحديد مواقع القبور العشوائية. وقالت نائبة رئيس لجنة التسيير والخدمات بحي شمبات شيرين الطيب نور الدائم إن اللجنة تقوم بعمليات حصر للقبور الموجودة داخل المنازل والمساجد والميادين، كخطوة أولية قبل وصول الفرق الطبية.

وأضافت نور الدائم أن الحملة انطلقت في عدد من المناطق بمدينة بحري بمشاركة الجهات الحكومية والمنظمات. وشددت على أهمية تعاون المواطنين والإبلاغ عن أماكن وجود القبور الاضطرارية حتى تتمكن الفرق الميدانية من الوصول إليها.

تعتبر هذه الحملة خطوة مهمة نحو إعادة الاستقرار في ولاية الخرطوم، ولكنها تواجه تحديات كبيرة. من المتوقع أن تستمر عمليات النقل والتنظيم خلال الأشهر القادمة، مع التركيز على توفير الدعم النفسي والاجتماعي للأسر المتضررة. وستظل الحاجة إلى الموارد الإضافية والتعاون بين جميع الأطراف المعنية أمرًا بالغ الأهمية لضمان نجاح هذه المبادرة الإنسانية. من المهم مراقبة التطورات المتعلقة بتوفير التمويل اللازم وتذليل العقبات القانونية والإدارية التي قد تعيق سير العمل.

شاركها.