أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تعيين حاكم ولاية لويزيانا، جيف لاندري، مبعوثًا خاصًا للولايات المتحدة إلى جرينلاند، مما أثار جدلاً واسعاً حول النفوذ الأمريكي المتزايد في منطقة القطب الشمالي. يأتي هذا التعيين في وقت تشهد فيه المنطقة تنافسًا دوليًا متصاعدًا على الموارد والنفوذ الاستراتيجي.
أكد ترامب في بيانه أن لاندري يدرك الأهمية القصوى لجرينلاند للأمن القومي الأمريكي، وأن تعيينه يهدف إلى تعزيز مصالح الولايات المتحدة وضمان أمن حلفائها، بالإضافة إلى المساهمة في استقرار المنطقة ككل. ولم يحدد البيان مهام المبعوث الخاص بشكل تفصيلي، لكنه يتماشى مع اهتمام الإدارة الأمريكية المتزايد بالمنطقة.
الأهمية الاستراتيجية لجرينلاند والقطب الشمالي
تكتسب جرينلاند أهمية استراتيجية متزايدة للولايات المتحدة لعدة أسباب. أولاً، موقعها الجغرافي يجعلها نقطة مراقبة حيوية في القطب الشمالي، وهو ممر مائي يفتح مع ذوبان الجليد، مما يقلل من مسافات الشحن والتنقل العسكري. ثانياً، تحتوي الجزيرة على كميات كبيرة من المعادن النادرة التي تثير اهتمام الشركات الأمريكية.
هذا الاهتمام يتزايد مع تزايد النشاط الروسي والصيني في المنطقة. وتعتبر كل من موسكو وبكين القطب الشمالي منطقة نفوذ محتملة، وتسعيان إلى تطوير مواردهما وبنيتهما التحتية.
زار نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، جرينلاند في عام 2019، مما سلط الضوء بشكل أكبر على اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة. كما أثارت تقارير عن محاولات سابقة لشراء جرينلاند من الدنمارك جدلاً واسعاً.
ردود الفعل الدنماركية والجرينلاندية
أعربت كل من الدنمارك، التي تتمتع بسيادة على جرينلاند، وحكومة جرينلاند المحلية عن رفضها القاطع لأي تدخل في شؤونها الداخلية. وأكدت رئيسة الوزراء الدنماركية، ميتي فريدريكسن، أن جرينلاند ليست للبيع، وأن الدنمارك ملتزمة بالحفاظ على سيادتها.
في المقابل، كتب جيف لاندري على منصة “إكس” (تويتر سابقًا) أن تعيينه يمثل شرفًا كبيرًا، وأنه سيعمل بجد لتعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وجرينلاند. وأشار إلى أن هذا الدور سيكون تطوعيًا ولن يتعارض مع مهامه كحاكم لويزيانا.
ومع ذلك، لا تزال هناك مخاوف في جرينلاند بشأن النوايا الأمريكية. ويرى بعض السكان المحليين أن التعيين يمثل محاولة لتقويض الحكم الذاتي للجزيرة وزيادة النفوذ الأمريكي.
تداعيات التعيين على التنافس الدولي
من المتوقع أن يؤدي تعيين لاندري إلى زيادة التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، اللتين تتنافسان على النفوذ في القطب الشمالي. كما قد يؤدي إلى ردود فعل من الصين، التي تسعى إلى توسيع نطاق نفوذها في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي التعيين إلى ضغوط على الدنمارك لزيادة إنفاقها الدفاعي في جرينلاند، وهو أمر طالبت به الولايات المتحدة في السابق. وتشعر الدنمارك بالقلق إزاء التهديدات الروسية المتزايدة في المنطقة، وتسعى إلى تعزيز دفاعاتها.
تعتبر منطقة القطب الشمالي ذات أهمية متزايدة في مجال الأمن الدولي بسبب التغيرات المناخية وتزايد إمكانية الوصول إلى الموارد الطبيعية. وتشهد المنطقة سباقًا تسلحًا خفيفًا بين الدول المختلفة، حيث تسعى كل منها إلى تعزيز وجودها العسكري.
في تقرير حديث، حذرت هيئة الاستخبارات الدفاعية الدنماركية من أن واشنطن تستخدم قوتها الاقتصادية والتهديدات العسكرية لفرض إرادتها حتى على حلفائها. وشددت على أهمية التعاون بين الدول في المنطقة للحفاظ على السلام والاستقرار.
من المنتظر أن يبدأ لاندري مهامه كمبعوث خاص في الأسابيع القادمة، ومن المرجح أن يزور جرينلاند في أقرب وقت ممكن. وستراقب دول المنطقة عن كثب تحركات الولايات المتحدة وتفاعلاتها مع الدنمارك وحكومة جرينلاند.
يبقى مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وجرينلاند غير واضح. وستعتمد التطورات القادمة على السياسات التي تتبعها الإدارة الأمريكية الجديدة، وعلى ردود الفعل من الدنمارك وحكومة جرينلاند. كما أنها ستتأثر بالتطورات الجيوسياسية في القطب الشمالي بشكل عام.






