مع مرور أكثر من 3 أشهر على سقوط نظام بشار الأسد تواصل خفايا جرائمه في الظهور، ففي هذه الفترة يترقب أهالي معتقلين سابقين معرفة مصير ذويهم، في خطوة تعدّ من أبرز مسارات العدالة الانتقالية بالتزامن مع الذكرى 14 للثورة السورية.

وقد حصلت الجزيرة على أكثر من 6500 صورة لجثث مجهولة الهوية، قضى أصحابها تحت التعذيب في مدينة حلب، ويكشف هذا التحقيق الخاص عن تفاصيل رحلة شاقة استمرت بضعة أشهر وثّقت خلالها الجزيرة كيف كانت تتم عمليات التخلص من الجثث في المدينة.

ومن خلال شهادات جمعها فريق الجزيرة، تبين أن هناك آلافا من الوثائق والصور التي تثبت هوية الضحايا في المقابر الجماعية بحلب.

وتظهر الصور التي حصلت عليها الجزيرة تفاصيل مرعبة للطرق التي استخدمها النظام السوري في التخلص من جثث المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب.

وبين هذه الصور، عثر على ما يقدر بنحو 6500 صورة لجثث صُوّرت بعناية، بعضها يظهر جثثا مكبلة اليدين ومعصوبة العينين، وهي تحمل آثار طلقات نارية في الرأس أو آثار شنق أو تعذيب مروع.

رحلة بحث مؤلمة

وفي مقابلة مع السيدة صمود جانو التي كانت تبحث عن أخيها المعتقل، تروي كيف أن قلبها كان يكاد ينفطر مع كل صورة تمر أمامها، متمنية ألا تكون صورة أخيها.

لكن في النهاية، ظهر الرقم 2340، ليتمكن التحقيق من كشف صورة شقيقها الذي قتل تحت التعذيب، وتقول صمود “كل صورة تمر من أمامنا كانت تحمل أملا بأن لا تكون صورة أحبائنا، لكن في النهاية ظهرت صورة أخي الذي قتل برصاصة في الرأس”.

وبحلول الشهر ونصف من البحث، كانت الجزيرة قد توصلت إلى معلومات تفيد بأن فرع الأمن الجنائي في حلب كان هو الجهة المعنية بتوثيق الجثث وتصويرها.

وشرح رئيس قسم الأدلة في الفرع، لفريق الجزيرة، عملية توثيق الجثث وكيف كان يتم تصويرها، مشيرا إلى أن عدد الجثث التي وُثقت تجاوز 4 آلاف.

وقد أجريت التحقيقات بالتعاون مع الطبيب الشرعي الذي أكد أن أغلب الجثث كانت تحمل آثار التعذيب الوحشي.

إعدامات ميدانية

وكشف التحقيق أن هناك ما يقارب 200 صورة تخص نحو 100 شخص أعدموا ميدانيا بين ديسمبر/كانون الأول 2016 ويناير/كانون الثاني 2017، أي في الفترة التي شهدت اقتحام قوات النظام للأحياء الشرقية في حلب.

وكانت الطرق التي استخدمها النظام في قتل هؤلاء المعتقلين وحشية بشكل يفوق الوصف، إذ تم إطلاق النار على الرأس أو شنق المعتقلين أو تعذيبهم بالكهرباء.

وكما تبين من التحقيقات، فإن الأجهزة الأمنية كانت تتعمد إخفاء هوية الضحايا، وكانت كل جثة يتم تصويرها تُعطى رقما، وتوصف على أنها “مجهولة الهوية”.

وأكد الطبيب الشرعي الذي تحدث للجزيرة أن هذه الممارسات كانت تتم بشكل منهجي لتغطية الجرائم، فقد كانت الجثث ترسل إلى المستشفيات العسكرية والجامعية ومن ثم تُدفن في مقابر جماعية من دون أن يعرف أهل الضحايا مصيرهم.

وخلال جولات التحقيق، التقى فريق الجزيرة أحد العسكريين السابقين في فرع الأمن العسكري بحلب، الذي كان شاهدا على ممارسات النظام في التخلص من جثث المعتقلين.

ورى عبد اللطيف محمد، الذي كان في أحد أسوأ الأفرع الأمنية، كيف كانت الأجهزة الأمنية تتخلص من الجثث برميها في الشوارع أو دفنها في مقابر جماعية، وأكد أنه شاهد جثثا مكبلة اليدين ومعصوبة العينين، يحمل بعضها آثار شنق واضحة على الرقاب.

شاركها.