اتهم مدنيون فروا من القتال في مالي وحدة عسكرية روسية جديدة، تعرف باسم “فيلق أفريقيا”، بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق، بما في ذلك الاغتصاب والقتل خارج نطاق القانون، وذلك أثناء عملياتها مع الجيش المالي لمواجهة الجماعات المتطرفة. وتأتي هذه الاتهامات في ظل تحول مالي نحو روسيا للحصول على الدعم الأمني، بعد سنوات من التعاون مع القوى الغربية. وتثير هذه التقارير مخاوف جدية بشأن حقوق الإنسان في المنطقة.

وقد أفاد أكثر من 30 لاجئًا تحدثوا إلى وكالة أسوشيتد برس، أن “فيلق أفريقيا” يتبع أساليب مماثلة لتلك التي كانت تستخدمها مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة الروسية، والتي كانت نشطة سابقًا في مالي. وتشمل هذه الأساليب عمليات القتل العشوائية، والاختطاف، والاعتداءات الجنسية، وتدمير الممتلكات، مما يزيد من معاناة المدنيين في منطقة الساحل المضطربة.

انتهاكات “فيلق أفريقيا” في مالي: شهادات اللاجئين

تحدث اللاجئون عن مشاهدات مروعة، حيث قدم بعضهم مقاطع فيديو تظهر قرى محروقة. كما ذكر آخرون العثور على جثث أقاربهم مع إزالة أعضائهم الداخلية، وهي انتهاكات سبق أن وثقتها وكالة أسوشيتد برس في مناطق مرتبطة بفاغنر. وتشير هذه التفاصيل إلى نمط من الوحشية قد يكون مستمرًا مع تغيير القوات الروسية العاملة في البلاد.

وقال أحد زعماء القرى الذي فر من المنطقة: “إنها سياسة الأرض المحروقة. الجنود الروس لا يتحدثون إلى أحد، يطلقون النار على أي شخص يرونه، دون أسئلة أو تحذيرات. لا يعرف الناس لماذا يتم قتلهم”. تعكس هذه الشهادة حالة الخوف والارتباك التي يعيشها السكان المحليون.

تدهور الأوضاع الإنسانية

تأتي هذه الاتهامات في وقت تشهد فيه منطقة الساحل تدهورًا حادًا في الأوضاع الأمنية والإنسانية. وقد أصبحت المنطقة الأكثر دموية في غرب أفريقيا بسبب نشاط الجماعات الإسلامية المسلحة، مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية. وتعتمد مالي، بالإضافة إلى بوركينا فاسو والنيجر، بشكل متزايد على الدعم الروسي في مواجهة هذه التهديدات.

وفي حين أن السلطات المالية لم تعترف علنًا بوجود “فيلق أفريقيا”، إلا أن وسائل الإعلام الروسية الرسمية نشرت تقارير إيجابية عن الوحدة، مشيدة بدورها في الدفاع عن البلاد ضد “الإرهابيين”. وزارة الخارجية الروسية أكدت أن الوحدة تعمل بناءً على طلب من السلطات المالية، وتقدم الدعم اللوجستي والتدريب.

صعوبة التحقق من الانتهاكات

يواجه مراقبو حقوق الإنسان صعوبات كبيرة في التحقق من هذه الاتهامات بسبب القيود المتزايدة على الوصول إلى المناطق المتضررة في مالي. وقد انسحبت بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام من البلاد في عام 2023، مما أدى إلى تقليل الرقابة المستقلة. بالإضافة إلى ذلك، فإن انسحاب مالي من المحكمة الجنائية الدولية يزيد من تعقيد جهود المساءلة.

وقد أعرب خبراء عن قلقهم بشأن الإفلات من العقاب على الانتهاكات المرتكبة في مالي. وقال إدواردو غونزاليس كويفا، الخبير المستقل للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في مالي، إنه طلب الإذن بزيارة البلاد في مناسبتين، لكنه لم يتلق ردًا. وأشار إلى أن الحكومة المالية تعتبر التحقيقات في الانتهاكات المزعومة “غير مناسبة ومضرة بمعنويات القوات”.

وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن المدنيين في مالي يواجهون خطرًا متزايدًا من العنف من قبل جميع الأطراف المتورطة في النزاع، بما في ذلك القوات الحكومية، والجماعات المسلحة، والقوات الأجنبية. وتؤكد هذه التقارير على الحاجة الملحة إلى حماية المدنيين وضمان المساءلة عن الانتهاكات المرتكبة.

من المتوقع أن يستمر الوضع في مالي في التدهور ما لم يتم اتخاذ خطوات ملموسة لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاع، وتعزيز حقوق الإنسان، وضمان المساءلة عن الانتهاكات. وستراقب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى عن كثب التطورات في مالي، وستسعى إلى تقديم المساعدة الإنسانية وحماية المدنيين قدر الإمكان. يبقى مستقبل حقوق الإنسان في مالي غير مؤكدًا، ويتطلب يقظة مستمرة وجهودًا متواصلة.

شاركها.