أظهرت دراسة حديثة أن بيانات حساسة، بما في ذلك الاتصالات العسكرية والمكالمات الشخصية، تُبث عبر الأقمار الصناعية دون تشفير كافٍ، مما يعرضها لخطر التنصت. كشف فريق بحثي من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو وجامعة ميريلاند عن هذه الثغرة الأمنية المقلقة باستخدام معدات بسيطة نسبيًا، مما يثير تساؤلات حول أمن البنية التحتية الحيوية وأنظمة الاتصالات العالمية.
أجريت الدراسة في نوفمبر 2025، وأظهرت أن شركات الاتصالات والجهات الحكومية لا تزال تعتمد على تقنيات قديمة وغير آمنة، مما يسمح لأي شخص يمتلك جهاز استقبال فضائي بسيط باعتراض بيانات مهمة. وقد سلطت النتائج الضوء على الحاجة الملحة لتعزيز إجراءات الأمن السيبراني وتحديث البروتوكولات المتعلقة بسلامة الاتصالات عبر الفضاء.
أسرار كثيرة بتكلفة بسيطة: كيف تم التنصت على الاتصالات الفضائية
استخدم الباحثون جهاز استقبال فضائي تجاريًا بقيمة 800 دولار أمريكي، مُثبّتًا على سطح أحد مباني الجامعة، لالتقاط إشارات الأقمار الصناعية. وبعد أشهر من تحليل الإشارات، اكتشفوا أن العديد من الشركات والمؤسسات الحكومية تبث بيانات غير مشفرة، بما في ذلك بيانات العملاء والمعلومات الاستخباراتية الحساسة.
أظهرت التحقيقات أن بيانات شركة “تي-موبايل” (T-Mobile) كانت عرضة للاختراق، بالإضافة إلى اتصالات وصفت بأنها “غير آمنة” من قبل شركات طيران تقدم خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية. والأكثر إثارة للقلق، كان اكتشاف اتصالات عسكرية غير مشفرة بين الولايات المتحدة والمكسيك، والتي كشفت عن معلومات حول مواقع الأفراد والمعدات العسكرية.
ثغرات في البنية التحتية الحيوية
لم يكن الأمر محصورًا في الاتصالات الشخصية والعسكرية؛ إذ كشفت الدراسة عن ثغرات في أمن البنية التحتية الحيوية. فقد تبين أن بعض شركات الكهرباء وأنظمة النفط والغاز كانت تبث بيانات تشغيلية حساسة دون تشفير، مما قد يجعلها عرضة للهجمات السيبرانية التي تهدد الإمدادات الأساسية.
أشارت الآراء إلى أن مشغلي هذه البنى التحتية كانوا يعتقدون خطأً أن إشارات الأقمار الصناعية غير قابلة للاعتراض بسهولة، وبالتالي لم يطبقوا إجراءات أمنية كافية. وقد صرح آرون شولمان، أستاذ جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، بأن الافتراض الخاطئ هو أن “لا أحد سينظر إلى الأعلى”، وأنهم تفاجأوا بكمية البيانات غير المشفرة التي تمكنوا من التقاطها.
تهديد الخصوصية والأمن: ما هي الاتصالات الفضائية؟
تعتمد الاتصالات الفضائية على شبكة معقدة من الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض. تُستخدم هذه الأقمار الصناعية لنقل مجموعة واسعة من البيانات، بما في ذلك الإشارات الهاتفية وبيانات الإنترنت والبث التلفزيوني وإشارات تحديد المواقع (GPS). في العديد من الحالات، خاصة في المناطق النائية، تستخدم شركات الاتصالات هذه الأقمار الصناعية لتوصيل الأبراج الخلوية بشبكتها الأساسية، وهو ما يُعرف بـ “النقل الخلفي” (Backhaul).
الأمر الذي يثير القلق هو أن هذا “النقل الخلفي” لا يزال يعتمد بشكل كبير على تقنيات قديمة وغير مشفرة، مما يسمح للمتسللين المحتملين باعتراض البيانات المنقولة. ويشكل هذا تحديًا أمنيًا كبيرًا، خاصة مع الاعتماد المتزايد على الاتصالات الفضائية في جميع جوانب الحياة الحديثة.
ردود الفعل والإجراءات المتخذة
بعد نشر نتائج الدراسة، بدأت بعض الشركات والمؤسسات الحكومية في اتخاذ إجراءات لتشفير اتصالاتها. وقام مشغل شبكة “تي-موبايل” (T-Mobile) على الفور بتحديث أنظمته لضمان حماية بيانات عملائه. إلا أن بعض مشغلي البنية التحتية الحيوية لا يزالون مترددين في تطبيق التشفير، بحجة التكلفة والتعقيد.
يدعو خبراء الأمن السيبراني إلى تبني معايير أمنية أكثر صرامة لجميع الاتصالات عبر الأقمار الصناعية. ويؤكدون على ضرورة إجراء تقييم شامل للمخاطر وتحديث البروتوكولات الأمنية بشكل منتظم لمواكبة التطورات التكنولوجية.
من المتوقع أن يناقش الكونجرس الأمريكي هذه القضية في الأشهر المقبلة، وقد يتم اقتراح قوانين جديدة تفرض على شركات الاتصالات والجهات الحكومية تشفير بياناتها المنقولة عبر الأقمار الصناعية. ويراقب خبراء الصناعة عن كثب هذه التطورات، ويتوقعون أن تؤدي إلى زيادة الاستثمار في أمن الاتصالات الفضائية على مستوى العالم. ومع ذلك، يبقى التحدي قائمًا في تحديث البنية التحتية القائمة وتشفير جميع البيانات المنقولة عبر الفضاء، وهو ما قد يستغرق سنوات عديدة لإكماله.





