شهد سوق السيارات الأوروبي نموًا طفيفًا خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025، ولكنه لم يكن موحدًا. حيث تصدرت إسبانيا قائمة الأسواق الأوروبية في المبيعات، مسجلةً نموًا ملحوظًا بنسبة 15٪ في تسجيلات السيارات الجديدة. يعزى هذا الأداء القوي بشكل كبير إلى حزمة حوافز حكومية لدعم تنقل كهربائي، مما يوفر دفعة كبيرة لهذا القطاع.
وفقًا لبيانات حديثة صادرة عن المجلس الدولي للنقل النظيف (ICCT)، بلغ إجمالي مبيعات السيارات الجديدة في أوروبا أكثر من 8.2 مليون مركبة. ومع ذلك، فإن هذا النمو الإجمالي البالغ 1٪ مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024 يخفي تباينات كبيرة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول مثل أيسلندا وليختنشتاين والنرويج.
النمو في سوق السيارات الكهربائية: إسبانيا تتصدر المشهد مع حوافز حكومية
أظهرت إسبانيا أداءً استثنائيًا بفضل تمديد برنامج “Moves III” بحزمة قدرها 400 مليون يورو. يهدف هذا البرنامج إلى تشجيع شراء المركبات الكهربائية وتوسيع البنية التحتية للشحن. وقد أنفق البرنامج بالفعل أكثر من 1.3 مليار يورو في السنوات الأربع الماضية، لمساعدة الأفراد والشركات على تبني السيارات الكهربائية.
أثر برنامج “Moves III” على المبيعات
ساهم برنامج “Moves III” في تركيب أكثر من 100 ألف نقطة شحن في جميع أنحاء إسبانيا، مما أزال أحد العوائق الرئيسية أمام تبني السيارات الكهربائية. هذا، بالإضافة إلى الدعم المالي المباشر لشراء المركبات، قد خلق بيئة مشجعة للمستهلكين والشركات على حد سواء.
من ناحية أخرى، سجلت النمسا أيضًا زيادة ملحوظة في مبيعات السيارات، بلغت 12٪ خلال نفس الفترة. لكن تشير التقارير إلى أن غالبية هذه الزيادة (حوالي 70٪) تعود إلى أساطيل الشركات، مما يجعل الاتجاه عرضة للتغير بناءً على دورات الشراء الخاصة بهذه الأساطيل.
بالإضافة إلى ذلك، قد يؤثر قرار النمسا بإلغاء الحوافز المقدمة للأفراد لشراء مركبات كهربائية بالكامل (BEVs) على خفض الطلب في الأشهر القادمة، وفقًا لما ذكرته Euronews Business. هذا القرار يمثل تحولاً في السياسة قد يكون له تداعيات على نمو سوق السيارات الكهربائية في البلاد.
في المقابل، شهدت بعض الدول الأخرى انخفاضًا في مبيعات السيارات. فقد انخفضت المبيعات في بلجيكا بنسبة 9٪، وفي فرنسا بنسبة 6٪، وفي إيطاليا بنسبة 3٪. بينما بقيت مبيعات السيارات في ألمانيا ثابتة تقريبًا، دون تسجيل أي نمو.
ومع ذلك، يرى محللون في مركز جاك دلور أن صناعة السيارات الأوروبية ليست محكومة عليها بالركود. وأشاروا إلى أن المبادرات الوطنية الحديثة تثبت أن السياسات الصناعية المصممة جيدًا يمكن أن تجذب الاستثمارات، وتعيد إحياء مراكز الإنتاج التقليدية، وتبني سلاسل قيمة جديدة للمركبات الكهربائية.
ويركز المركز على ضرورة وجود استراتيجية أوروبية موحدة للاستفادة من هذه الجهود المتباينة وتحويلها إلى ميزة تنافسية مستدامة. ويتجاوز التركيز على إقناع المستهلكين بتبني السيارات الكهربائية، حيث يشيرون إلى حواجز أكثر واقعية مثل ارتفاع أسعار هذه المركبات مقارنة بالمركبات التي تعمل بالوقود التقليدي، وعدم استقرار الإشارات السياسية المتعلقة بالحوافز والدعم المالي.
يعتبر قطاع السيارات حجر الزاوية في الاقتصاد الأوروبي، وتوظف فيه ملايين العمال. وتواجه هذه الصناعة تحديات كبيرة في التحول نحو الكهربة، بما في ذلك الاستثمار في البنية التحتية الجديدة، وتدريب القوى العاملة، وتأمين سلاسل الإمداد بالمواد الخام اللازمة لصناعة البطاريات.
وبالنظر إلى أن الدعم الحكومي يلعب دورًا رئيسيًا في تحفيز الطلب على المركبات الكهربائية، فإن مستقبل السوق الأوروبي يعتمد على استمرار هذه الحوافز وتصميمها بطريقة فعالة ومستدامة. ويتوقع الخبراء أن يظل سعر السيارات الكهربائية أحد العوامل الرئيسية التي تحدد مدى تبنيها على نطاق واسع.
في الختام، من المتوقع أن يستمر المجلس الدولي للنقل النظيف (ICCT) في مراقبة أداء سوق السيارات الأوروبية عن كثب، مع التركيز بشكل خاص على تأثير السياسات الحكومية على نمو مبيعات السيارات الكهربائية. من المقرر صدور التقرير التالي في مارس 2026، والذي سيقدم نظرة أكثر تفصيلاً على أداء السوق في عام 2025 بأكمله ويتضمن توقعات للعام المقبل، مع ملاحظة أن وضع المركبات منخفضة الانبعاثات لا يزال غير واضح ويخضع لتطورات اقتصادية وسياسية.






