ما استخلاصات اجتماع السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع؟

أولها أن قبضة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول ما تزال محكمة على لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية المسؤولة عن تحديد أسعار الفائدة، التي خفضت الأربعاء سعر فائدة التمويل لدى الاحتياطي الفيدرالي 25 نقطة أساس إلى نطاق مستهدف يتراوح بين 4% و4.25%.

مع بداية الاجتماع، كانت التوقعات تشير إلى احتمال خلافات من جانبين، إذ أيد بعض صانعي السياسات النقدية عدم خفض الفائدة، بينما أيد آخرون خفضها بمقدار 50 نقطة أساس. وتوقع البعض أن ينضم المحافظان كريستوفر والر وميشيل بومان -اللذان عُيّنا في البنك المركزي خلال إدارة ترمب الأولى- إلى ستيفن ميران، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض، الذي أدى اليمين الدستورية الثلاثاء كمحافظ في الاحتياطي الفيدرالي ليشغل مقعداً شاغراً، في معارضةٍ هدفها الدفع باتجاه الخفض الأكبر.

أبرز الاستنتاجات من قرار الفيدرالي الأميركي خفض الفائدة

لكن هذا لم يكن مقدراً له أن يحدث. فمن ربما فضلوا إبقاء أسعار الفائدة دون تغيير تركوا الأمر إلى باول. لم تكن تلك نتيجة مفاجئة، بالنظر إلى أن الخلاف كان حول التوقيت لا اتجاه أسعار الفائدة، وفي مثل هذه الظروف لم يكن هناك مبرر للمعارضة.

بالنسبة لبومان ووالر، من الأصعب تحليل دوافعهما. لكن عدم رغبتهما في المعارضة لصالح خفض أكبر يُظهر أن مجرد تعيين ترمب لمحافظ لا يعني بالضرورة أنه سيتبعه. (تذكروا أن ترمب قال إن أسعار الفائدة يجب أن تكون أقرب إلى 1%). تظهر أفعالهما النزاهة والالتزام بمهمة الاحتياطي الفيدرالي وأهمية الحفاظ على استقلال البنك المركزي. وهذا تطور يلقى ترحيباً كبيراً جداً.

ثانياً، إن التحول في أوسط​​ ملخص التوقعات الاقتصادية إلى 75 نقطة أساس لتخفيضات أسعار الفائدة بحلول نهاية العام من 50 نقطة أساس المتوقعة في يونيو ليس ذا أهمية.

تفاعلت الأسواق في البداية بإيجابية مع هذا التطور، لكن اتضح أن المكاسب كانت مؤقتة، إذ اتضح عند التدقيق أنه لم يكن هناك إجماع واضح.

باستثناء التوقعات التي دعت إلى تخفيضات قدرها 150 نقطة أساس هذا العام -وهو ما يُرجّح أنه توقعات ميران- انقسمت بقية اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة بالتساوي بين تخفيض أو تخفيضين إضافيين لأسعار الفائدة.

بعد خفض الفائدة.. باول يوحد صف الفيدرالي وسط عواصف السياسة والاقتصاد

ثالثاً، في المؤتمر الصحفي لباول، سُئل عن التناقض الواضح بين خفض هدف سعر الفائدة الفيدرالي في الوقت الذي رفعت فيه اللجنة أوسط ​​توقعاتها لكل من النمو الاقتصادي والتضخم. لا أعتقد أن هناك توتراً كبيراً في هذا الأمر. كانت التعديلات التصاعدية ضئيلة جداً، فقد بلغت 0.2 نقطة مئوية لكل منهما في عام 2026.

الأهم من ذلك، أن دافع خفض سعر الفائدة لم يكن مرتبطاً بالتوقعات النموذجية، بل كان مدفوعاً بعلامات ضعف سوق العمل الواضحة في بيانات التوظيف الأخيرة التي أظهرت تباطؤاً حاداً في نمو التوظيف إلى 29 ألف وظيفة فقط في المتوسط ​​خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

كان المبرر الذي قدمه باول لخفض أسعار الفائدة واضحاً، وهو أن المخاطر السلبية على سوق العمل قد ازدادت حتى أنها كادت توازي المخاطر الإيجابية للتضخم. ولأنه قيّم السياسة النقدية على أنها “مقيدة بشكل واضح”، فإن التحول في المخاطر يعني ضمناً ضرورة أن تكون السياسة النقدية أكثر تيسيراً.

إذاً، إلى أين نتجه من هنا؟

ستعتمد إجراءات الاحتياطي الفيدرالي المستقبلية على البيانات. سيعتمد التيسير النقدي بشكل أساسي على ما إذا كانت المخاطر السلبية على سوق العمل تتزايد، وكيف تنتقل رسوم إدارة ترمب الجمركية إلى الأسعار، وما إذا كان ثبات التضخم سيرفع توقعات التضخم على المدى الطويل. إن سلسلة من تقارير التوظيف القوية، ومعدل بطالة ثابت وتضخم مستمر قد تُضعف الدعم لمزيد من التيسير.

كما شرح باول، فإن إدارة السياسة النقدية صعبة جداً حالياً. أولاً، نظراً لتعارض هدفي الاحتياطي الفيدرالي- التوظيف الكامل واستقرار الأسعار، يتعين على الاحتياطي الفيدرالي وضع سياسة لموازنة المخاطر على هذين الهدفين.

خبراء يحللون لـ”الشرق” أول قرار لخفض الفائدة الأميركية في 2025

كما قال باول: “لا يوجد مسار خالٍ من المخاطر”. ثانياً، ما تزال سياسة الرسوم الجمركية غير مؤكدة، إذ يعتمد توقيت تأثير الرسوم الجمركية على الأسعار جزئياً على أحكام المحاكم المستقبلية التي ستحدد أي زيادات في الرسوم قانونية.

علاوة على ذلك، في حين أن تحميل الرسوم الجمركية إلى الأسعار كان أكثر تواضعاً وأبطأ مما كان متوقعاً، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن الآثار الكاملة ستكون أقل. بل قد يتأخر انتقالها فحسب، مما يعكس إحجام الشركات عن الرد حتى تتضح رؤيتها.

ماذا عن تهديد استقلالية الاحتياطي الفيدرالي؟

كان باول حريصاً جداً على عدم الرد على أسئلة حول مزاعم إدارة ترمب بأن ليزا كوك، المحافظة لدى الاحتياطي الفيدرالي، كذبت بشأن طلبات الرهن العقاري، أو على انتقاد وزير الخزانة سكوت بيسنت للبنك المركزي بأنه تجاوز مهامه، وأنه يجب إخضاعه لمراجعة مستقلة.

أشار باول بدلاً من ذلك إلى ما كان الاحتياطي الفيدرالي يفعله، بما في ذلك المراجعات الأخيرة لإطار السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي، والتخفيض المزمع لعديد الموظفين في جميع أجزاء منظومة الاحتياطي الفيدرالي بمقدار العُشر.

اختتم باول بأن الاحتياطي الفيدرالي منفتح دائماً على سبل تحسين عملياته. وهو يدرك أن مصداقيته تعتمد على أدائه الجيد لعمله- بمعناه الواسع.

استقلالية الاحتياطي الفيدرالي تنتظر تنفيذ حكم الإعدام

وفيما يتعلق بالمهمة الثالثة للسياسة النقدية -الحفاظ على أسعار فائدة طويلة الأجل معتدلة- أكد باول أن الاحتياطي الفيدرالي لم يركز تاريخياً على هذا المجال لسبب بسيط: إذا نجح في تحقيق هدفيه الآخرين المتمثلين في التوظيف الكامل واستقرار الأسعار، فإن أسعار الفائدة طويلة الأجل ستتعافى تلقائياً.

ما يزال التهديد الذي يواجه استقلال الاحتياطي الفيدرالي حقيقياً جداً. بينما قد لا تنجح إدارة ترمب في إقالة كوك لسبب وجيه، ولن يلتزم جميع المعينين من قِبل ترمب في الاحتياطي الفيدرالي بالضرورة بأوامر البيت الأبيض، تبين هذه المساعي نية الرئيس للسيطرة على البنك المركزي. وقد تستكشف الإدارة أو تبتكر خيارات أخرى لتحقيق هدفها.

يشير اختلاف توقعات ميران بشأن أسعار الفائدة عن بقية أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة إلى مدى التغير المحتمل في السياسة النقدية إذا سيطر مساعدو ترمب على الوضع بقوة.

إذا اتبعت السياسة النقدية توجيهات ميران، فستكون النتيجة اقتصاداً محموماً وارتفاعاً في التضخم. ونأمل أن يسود استقلال الاحتياطي الفيدرالي في كيفية إدارته للسياسة النقدية لتحقيق الأهداف التي حددها له الكونغرس.

شاركها.