حطم “نادي ليفربول” الرقم القياسي البريطاني في شراء اللاعبين مرتين هذا الصيف، بعدما أنفق أكثر من 100 مليون جنيه إسترليني (134 مليون دولار) على كل من صفتي التعاقد مع الألماني فلوريان فيرتس والسويدي ألكسندر إسحاق.
ساهمت هذه الصفقات في رفع إنفاق الأندية الإنجليزية إلى أكثر من 3 مليارات جنيه إسترليني، وهو مستوى غير مسبوق خلال فترة الانتقالات الصيفية التي أُسدل الستار عليها يوم الإثنين.
تكشف هذه الأرقام الضخمة عن طفرة عالمية في صناعة الرياضة، مع تزايد إقبال رؤوس الأموال الخاصة والصناديق السيادية والأثرياء على ضخ استثمارات ضخمة فيها.
على سبيل المثال، تعتزم شركة “أبولو غلوبال مانجمنت” إطلاق صندوق استثماري مخصص للرياضة بقيمة 5 مليارات دولار. ولطالما كان تمويل الرياضة قطاعاً مثيراً للاهتمام، لكنه يظل ضيقاً وغامضاً نسبياً مُقارنةً بالإقراض المصرفي ورأس المال الخاص الأوسع نطاقاً.
اقرأ أيضاً: الدوري الإنجليزي ينفق 4 مليارات دولار في موسم انتقالات قياسي
الرياضة تتحول إلى قطاع مستقل
رغم أن الصندوق الذي تعتزم “أبولو” إطلاقه يبقى محدود الحجم مقارنةً بإجمالي أصولها المدارة البالغة 840 مليار دولار، إلا أنه إشارة واضحة على أن هذا القطاع المتخصص آخذ في التحول إلى مجال قائم بذاته وأكثر أهمية.
يعكس هذا التدفق المالي الضخم تزايد موثوقية واتساع قاعدة الإيرادات لدى كبرى الأندية والفرق، بقدر ما يعكس أيضاً دوافع الوجاهة وتعزيز المكانة المرتبطة بامتلاك أندية شهيرة. ومع ذلك، تبقى هذه الاستثمارات محفوفة بالمخاطر.
ولحسن الحظ، تظل الرياضة تحمل في طياتها قدراً من المُخاطرة حتى على أعلى المستويات، فلولا ذلك لفقدت متعتها وجاذبيتها، وتحولت إلى منتج رتيب لا روح فيه.
أندية البريميرليغ تلجأ إلى طرق “مبتكرة” لمواصلة الإنفاق الضخم
استثمارات خاصة وصناديق سيادية
تضخ شركات الاستثمار الخاصة مزيداً من الأموال في هذا القطاع، إلى جانب الصناديق السيادية في دول مثل السعودية، التي تسعى إلى تنويع محافظها الاستثمارية وفي الوقت ذاته تعزيز سمعتها دولياً عبر الرياضة.
اقرأ المزيد: الاستثمارات الخليجية في كرة القدم تحصد أهم البطولات القارية للأندية
كما يتزايد اهتمام الأثرياء الأفراد بالاستثمار في الرياضة، ولم يعد الأمر يقتصر على الرغبة التقليدية في التباهي بامتلاك نادٍ مرموق، بل أصبح يتجاوز ذلك ليعكس دوافع استثمارية وانتشاراً أوسع. ومع ذلك، لا يزال بعض مليارديرات قطاع رأس المال الخاص يفعلون ذلك أيضاً، اتباعاً لهذا النهج التقليدي في التباهي.
أمثلة بارزة على الاستثمار الرياضي
فعلى سبيل المثال، يمتلك جوش هاريس، الشريك المؤسس لشركة “أبولو”، فريق “واشنطن كوماندرز” في دوري كرة القدم الأميركية، فيما يُعد بينيت روزنثال، الشريك المؤسس لعملاقة الائتمان الخاص “إريس مانجمنت” (Ares Management)، من أبرز مالكي نادي “لوس أنجلوس إف سي” في الدوري الأميركي لكرة القدم.
حطم هذا الفريق مؤخراً الرقم القياسي لأغلى صفقة شراء اللاعبين في الولايات المتحدة، حين تعاقد مع الكوري الجنوبي سون هيونغ-مين قادماً من نادي “توتنهام هوتسبير” الإنجليزي.
صناديق متخصصة في الرياضة والإعلام
أطلقت “إريس” ومقرها في لوس أنجلوس، أحد أوائل الصناديق المتخصصة في الرياضة والإعلام عام 2022 بقيمة 3.7 مليار دولار، وتدرس حالياً إطلاق صندوق ثانٍ.
في الأثناء، تسعى شركة “سي في سي كابيتال بارتنرز” (CVC Capital Partners) وهي مجموعة استثمار خاص مُدرجة إلى إعادة تمويل محفظتها من الأصول الرياضية التي تشمل حصصاً في بطولة “الأمم الستة” للرجبي والدوري الهندي الممتاز للكريكيت، والتي قد تتجاوز قيمتها 12 مليار دولار.
أصبحت المزيد من الدوريات والأندية الرياضية حول العالم تُسخّر كل ما يُتاح لها من منصات إعلامية ومصادر دخل تجاري لتعظيم إيراداتها.
ريال مدريد يتفوق على 50 شركة مدرجة
سجّلت بعض الأندية أرقاماً استثنائية، إذ أصبح “ريال مدريد” الإسباني قبل موسمين أول نادٍ أوروبي تتجاوز إيراداته السنوية مليار يورو (1.2 مليار دولار)، وفقاً لتقديرات شركة “ديلويت” (Deloitte)، متفوقاً بذلك على ما يقرب من 50 شركة مدرجة في مؤشر “ستوكس يوروب 600” (Stoxx Europe 600).
لكن من حيث الحجم، يتفوق الدوري الإنجليزي الممتاز بفارق هائل عن كرة القدم في بقية الدول الأوروبية، فالإنفاق القياسي على الانتقالات خلال الصيف الجاري تجاوز إجمالي ما أنفقته أكبر أربع دوريات أخرى في أوروبا، ويرجع ذلك، من بين أسباب أخرى، إلى أن إجمالي إيرادات الأندية الإنجليزية نحو ضعف الدولة التالية في ترتيب الإيرادات، والتي كانت ألمانيا في أحدث مسح أجرته شركة “ديلويت” (Deloitte).
اقرأ أيضاً: رئيس البريميرليغ: قضايا “مانشستر سيتي” المالية تشتت الانتباه عن الملاعب
وتشير التقديرات إلى أن أكبر 20 نادياً إنجليزياً جنت الموسم الماضي إيرادات بقيمة 6.6 مليار جنيه إسترليني من حقوق البث، والإيرادات التجارية، وعائدات المباريات، وفقاً لـ”ديلويت”. ويُتوقع أن ترتفع إلى 6.9 مليار جنيه إسترليني في الموسم الجاري، بدعم من صفقات البث الإعلامي الدولية في آسيا، والشرق الأوسط، وشمال أفريقيا.
من وجهة نظر رأس المال الخاص، فإن تحقيق إيرادات أكبر وأكثر موثوقية يُزيد من جاذبية الإقراض، لا سيما عندما يمكن ربط الدين بأصل. وتستخدم الأندية الإيرادات بشكل متزايد للمساعدة في توفير التمويل لبناء الملاعب الجديدة أو إعادة تطوير القديمة. وأصبح نادي “إيفرتون” لكرة القدم أحدث فريق إنجليزي ينتقل إلى ملعب أكبر بكثير، ما سيسهم في ارتفاع دخله من التذاكر، وأكشاك البيع، والمنتجات الأخرى.
قواعد اللعب المالي النظيف تعزز جاذبية الأندية الإنجليزية
لا تُحقق الأندية الإنجليزية أرباحاً في الأغلب. رغم ذلك، فإن القواعد الأوروبية الرامية إلى تعزيز اللعب المالي النظيف تضع حداً لحجم الخسائر التي تتكبدها الفرق خلال فترة زمنية محددة، ما يجعلها فرص استثمار أفضل للمقرضين، إلا أن هذا قد لا يكفل تكافؤ الفرص بين الأندية الأكثر ثراءً وغيرها. وُيعد الإقراض محور الاهتمام الرئيسي لشركات مثل “أبولو” و”أريس”، رغم أن صناديق رأس المال الخاص تستحوذ على حصص ملكية أيضاً.
لكن تعقيد القواعد المالية في كرة القدم بدأ يُسبب مشكلات أيضاً، بالأخص للكيانات التي تملك حصصاً في عدة أندية؛ فأُقصي نادي “كريستال بالاس” الإنجليزي من بطولة أوروبية ليشارك في نسخة أدنى مستوى في الموسم الجاري نظراً لامتلاك أحد مالكيه، المستثمر الأميركي جون تكستور، حصة أيضاً في نادٍ فرنسي يشارك في نفس البطولة، ما يخالف القواعد. وتشير التقديرات إلى أن “كريستال بالاس” سيتكبد نحو 20 مليون جنيه إسترليني من الإيرادات المفقودة، ما يمثل مبلغاً كبيراً لنادٍ يحقق إيرادات بنحو 200 مليون جنيه إسترليني سنوياً.
قد يشعر بعض مشجعي “ليفربول” بالقلق من خطر إنفاق 125 مليون جنيه إسترليني على شراء مهاجم واحد، كما في حالة إيزاك، إذ يتجاوز ذلك إجمالي ما أنفقته جميع أندية الدوري- عدا ثمانية أندية- الصيف الجاري. لكن إذا نجح مهاجم “نيوكاسل” السابق في إحراز العديد من الأهداف، وساعد الفريق في الفوز بالدوري مرة أخرى، سيتغلب المشجعون قريباً على هذا القلق.
ويتزايد سأم كثير من مشجعي كرة القدم من الطابع المتضخم الذي يركز بإفراط على المال للرياضة، ويشعر اللاعبون بالإرهاق نظراً لكثرة المباريات التي يفرضها العديد من البطولات المحلية والإقليمية، حتى قبل النسخة الموسعة من بطولة كأس العالم للأندية التي أُقيمت في الولايات المتحدة الصيف الجاري.
ورغم إشارات تحذيرية منذ سنوات من أن اللعبة تقترب من نقطة التشبع، لا يزال الجمهور والمشاهدون والإيرادات في نمو، ويتواصل تدفق الاستثمارات بوتيرة كبيرة. باتت هذه الرياضات أصولاً إعلامية عالمية، وباتت مجالاً متزايد الجاذبية من منظور المقرضين.