حذر بنك إنجلترا من أن الازدهار الحالي في الإنفاق على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، والمدفوع جزئيًا بالديون، قد يكون عرضة للانهيار في ظل تقييمات مبالغ فيها للأسهم في هذا القطاع. يرى البنك المركزي البريطاني أن أي تصحيح في أسعار أسهم شركات الذكاء الاصطناعي يمكن أن ينتشر إلى أسواق الدين بشكل أوسع، مما يؤثر على الاستقرار المالي. وتأتي هذه التحذيرات في الوقت الذي يشهد فيه الاستثمار في الذكاء الاصطناعي نموًا هائلاً، ولكنه مصحوب بمخاوف متزايدة بشأن الاستدامة.

أصدر بنك إنجلترا هذا التحذير يوم الثلاثاء في تقريره نصف السنوي عن الاستقرار المالي، وأشار إلى أن مؤشرات مبكرة تشير إلى تزايد المخاطر في مقايضات التخلف عن السداد الخاصة بالشركات التي تعتمد على الديون لتمويل استثماراتها في هذا المجال. وعلى الرغم من أن الاستثمار الحالي مدعوم بشكل أساسي بالسيولة النقدية لدى شركات التكنولوجيا السحابية الكبرى، إلا أن التقرير يقدر أن ما يقرب من نصف الإنفاق المتوقع على الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الخمس القادمة، والبالغ حوالي 5 تريليونات دولار، سيحتاج إلى تمويل خارجي، ومعظمه سيكون عبر الاقتراض.

ماذا يعني انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي؟

وفقًا لتقرير بنك إنجلترا، قد يؤدي انخفاض حاد في تقييمات أسهم شركات الذكاء الاصطناعي إلى الإضرار بثروات الأسر في المملكة المتحدة وتقليل الإنفاق الاستهلاكي. بالإضافة إلى ذلك، قد تتسبب الخسائر في القروض المقدمة للشركات المستثمرة في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في زيادة تكاليف الاقتراض للشركات بشكل عام.

هذا التحذير ليس الأول من نوعه، حيث يقارن بعض المحللين الوضع الحالي بفقاعة الدوت كوم التي انفجرت في بداية الألفية، مما أدى إلى خسائر فادحة للمستثمرين. ومع ذلك، تستمر الشركات في ضخ استثمارات ضخمة في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك توسيع مراكز البيانات اللازمة لتشغيل هذه التقنيات.

تأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد الأمريكي

يشير بنك إنجلترا إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يكون مسؤولاً عن حوالي ثلثي المكاسب التي حققها مؤشر “إس آند بي 500” هذا العام. ويعتقد البنك أن هذا الاستثمار يمثل حوالي نصف نمو الاقتصاد الأمريكي خلال النصف الأول من عام 2024. هذه الأرقام تؤكد الأهمية المتزايدة للذكاء الاصطناعي كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي.

وأضاف البنك أن تمويل تطوير الذكاء الاصطناعي يقترب من “نقطة تحول مهمة”. وتابع موضحًا أن أي خسائر ائتمانية كبيرة في إقراض قطاع الذكاء الاصطناعي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، قد تؤدي إلى تداعيات أوسع على ظروف الائتمان، بما في ذلك في المملكة المتحدة.

تزايد الديون ومؤشرات الخطر

أشار البنك المركزي إلى الزيادة الأخيرة في إصدار الشركات العاملة في قطاع الذكاء الاصطناعي للديون، مشيرًا إلى ظهور بعض المؤشرات التحذيرية. كمثال، اتسعت هوامش مقايضات التخلف عن السداد لأجل خمس سنوات لشركة “أوراكل”، وهي شركة ذكاء اصطناعي ذات تدفقات نقدية حرة أقل مقارنة بالشركات الكبيرة الأخرى، من أقل من 40 نقطة أساس إلى حوالي 120 نقطة أساس منذ نهاية يوليو.

هذا التطور يختلف مع استقرار هوامش مقايضات التخلف عن السداد للشركات الأمريكية ذات التصنيف الاستثماري بشكل عام. تُستخدم مقايضات التخلف عن السداد كأداة لحماية المستثمرين ضد خطر تعثر الشركات في سداد ديونها.

أوراكل ونفيديا: مؤشرات رئيسية

برزت شركة “أوراكل”، وهي عملاق في مجال قواعد البيانات والحوسبة السحابية وعميل رئيسي لشركة “إنفيديا”، كمؤشر على المخاطر المحتملة في قطاع الذكاء الاصطناعي. وقد زاد إقبال المستثمرين المتشككين على شراء مقايضات التخلف عن السداد الخاصة بها كنوع من التحوط ضد انهيار محتمل، مع توقع ارتفاع أسعار هذه المشتقات في حالة تراجع حماس المستثمرين تجاه قطاع التكنولوجيا.

تعتبر شركة “إنفيديا” حاليًا الشركة الأعلى قيمة في العالم، برأسمال سوقي يبلغ 4.37 تريليون دولار. يعود الفضل في هذا الارتفاع إلى الطلب القوي على رقائقها المستخدمة في تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدمًا. وقد أبرمت “إنفيديا” صفقات بمليارات الدولارات خلال العام الماضي لدعم عملائها وشركائها، وحتى منافسيها مثل “إنتل”. ومع ذلك، أثارت هذه الشراكات مخاوف بشأن وجود فقاعة في قطاع الذكاء الاصطناعي، حيث ساهمت في تضخيم السوق وجعل مصائر العديد من الشركات مرتبطة ببعضها البعض.

أحد جوانب هذا النمو السريع هو استثمارات رأس المال الجريئة (Venture Capital) التي تدفق بقوة على شركات التكنولوجيا الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، مما أدى إلى تقييمات عالية جدًا في بعض الحالات.

في الختام، يظل مستقبل الاستثمار في الذكاء الاصطناعي محاطًا بالشكوك. من المتوقع أن يراقب بنك إنجلترا عن كثب تطورات أسواق الائتمان وتقييمات الشركات في هذا القطاع خلال الأشهر القادمة. يشير التقرير إلى ضرورة تقييم المخاطر المرتبطة بتمويل هذا القطاع، خاصة مع الاعتماد المتزايد على الديون. سيكون من المهم متابعة بيانات الاقتصاد الكلي وأي تغييرات في السياسة النقدية قد تؤثر على قدرة الشركات على الاقتراض.

شاركها.