يدمج هذا الفن مع النقوش التقليدية السعودية مثل السدو الشمالي والجص الحساوي، مع تفاصيل القط العسيري وزخارف الأبواب النجدية والرواشين الغربية، ليُبدع أعمالًا فنية تحمل عبق التراثين.
هذا التمازج بين الثقافات يعكس قدرة الحرفيين على تحويل الفنون إلى لغة مشتركة، تُظهر الوحدة والتنوع في آن واحد، وتُجسد في كل قطعة حكاية من تاريخ وثقافة المملكة وإندونيسيا.
فن الباتيك
يأتي فن الباتيك كرمز ثقافي وهو أحد أعرق وأشهر الفنون التقليدية في إندونيسيا بألوانه الزاهية ونقوشة المميزة، إذ يعود تاريخة إلى أكثر من ألف عام، وهو فن الزخرفة على الأقمشة باستخدام الشمع والصبغات، وقد أدرجته منظمة اليونسكو عام 2009 م ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية.
ويتميز الباتيك بتصاميمه التي تحمل رموزًا ثقافية ودينية، مثل أشكال الزهور والنباتات والحيوانات، ما يعكس ارتباط الإندونيسيين ببيئتهم وثقافتهم، ويعتمد الحرفيون في الباتيك على أدوات تقليدية مثل “الكانتنج” وهي أداة يدوية مصنوعة من الخشب والنحاس للرسم بالشمع، على أقمشة القطن أو الحرير، بالإضافة إلى ألوان مستخلصة من الطبيعة، مثل النيلي والأصفر والأحمر.
إنتاج الباتيك
ويتطلب إنتاج قطعة واحدة من الباتيك عملية دقيقة تبدأ بتصميم النقوش من خلال رسم التصميم المراد تنفيذه ومن ثم تطبيق الشمع باستخدام “الكانتنج” ويُستخدم الشمع لتغطية المناطق التي يراد الحفاظ عليها من الصبغة، وهي الخطوة الأساسية في عملية الباتيك، تليها مرحلة الصباغة الأولى يغمر القماش في الألوان الطبيعية المستخلصة من النباتات، والأشجار، أو المعادن وغيرها من خامات البيئة الإندونيسية.
ثم بعد ذلك تأتي مرحلة إزالة الشمع وإعادة الصباغة ويُزال الشمع بالماء الساخن، وقد تُعاد العملية عدة مرات لتحقيق طبقات وألوان متداخلة. وأخيرًا مرحلة التجفيف والتشطيب حيث يترك القماش ليجف تحت ضوء أشعة الشمس غير المباشرة إلى أن يصبح قطعة فنية جاهزة للاستخدام.
ثقافة إندونيسيا
وعن تفاصيل هذا الفن تحدث الحرفي الإندونيسي باجوسبري, عن فن الباتيك الذي نشأ في جزيرة جاوة منذ مئات السنين وكان يمارس من قبل الأوساط الملكية ومع مرور السنين استخدمه عامة الشعب ليصبح رمزًا من رموز ثقافة إندونيسيا، مشيرًا إلى أن الباتيك يرتبط ارتباطًا وثيقًا بطبقات المجتمع الإندونيسي، فكانت الأنماط المستخدمة في تصاميمه تُشير إلى مكانة الشخص الاجتماعية أو مناسباته الخاصة.
وتطرق باجوسبري إلى أنواع الباتيك فمنها الكلاسيكي (التقليدي) الذي يتميز بنقوش مستوحاة من الطبيعة مثل الزهور والأوراق، والمودرن الذي يعتمد على أنماط حديثة وتصاميم مستوحاة من الفن المعاصر، وأيضًا المزيّن بالقصص (السردي) الذي يُبرز قصصًا تاريخية أو أساطير من التراث الإندونيسي بالإضافة إلى الباتيك الديني الذي يشمل نقوشًا ذات طابع إسلامي مثل الآيات القرآنية أو الزخارف الهندسية الإسلامية.
وذكر بأن القطعة الواحدة من الباتيك تستغرق وقتًا طويلًا وجهدًا لصناعتها وأقل مدة قد تكون شهرًا كاملًا ومن الممكن أن تمتد إلى أشهر طويلة أو سنوات ويرجع ذلك حسب طول القماش وتعقيد النقوش المراد تنفيذها عليه.
نقوش الباتيك
وفي ذات السياق تقول الخبيرة والباحثة في المنسوجات التقليدية الإندونيسية فيني عفواني: “إن نقوش الباتيك ليست مجرد زخارف جمالية، بل هي سرد قصصي يعكس تراثًا وثقافة عريقة”.
وتطرقت عفواني إلى توسع استخدامات نقوش الباتيك ليتم مؤخرًا دمج النقوش الإسلامية والسعودية مع فن الباتيك لينتج قطعًا فريدة تعكس تلاقح الثقافات وتقارب الشعوب الأمر الذي أسهم في فتح أفق ارحب للتواصل الحضاري والإنساني بين الشعوب إضافة إلى تناغم التراثين السعودي والإندونيسي اللذين يجتمعان في الثقافة الإسلامية.
وقالت: “نحن والحرفيون السعوديون وأعتقد العديد من الدول حول العالم نشترك في استخدام الألوان الطبيعة المستخلصة من البيئة كما يحدث في القط العسيري، كما نشترك في تطوير الفنون وتوسيع طرق استخدامها، فالباتيك على سبيل المثال لا يقتصر استخدامه على الملابس فقط، بل يمتد إلى الديكورات المنزلية، والأكسسوارات، وحتى الفنون التشكيلية”.
تراث المملكة
وأضافت: “إلى جانب عرض القطع الفنية، أتحنا للحرفيين ورش عمل يقدمونها للزوار لتجربة صنع الباتيك بأنفسهم، ما أتاح لهم فهمًا أعمق لهذا الفن وتقديرًا لثرائه، ودمجنا بين تراثنا وتراث المملكة لإظهار أن الفن يمكنه أن يجمع الشعوب ويعزز التفاهم الثقافي”.
ولطالما كانت الثقافات عاملًا في تقارب الشعوب، تؤكد مدير عام قطاع الحرف اليدوية بهيئة التراث الدكتورة داليا اليحيى, أن مشاركة الباتيك الإندونيسي في معرض “بنان” الدولي ليست مجرد عرض فني، بل هي دعوة لاستكشاف القيم المشتركة بين الثقافات المختلفة، والتأكيد على أن التراث الإنساني هو جسر للتواصل والتفاهم بتصاميمه التي تمزج بين نقوش الشرق الآسيوي والجزيرة العربية، يبقى الباتيك شاهدًا حيًا على قدرة الفنون على تجاوز الحدود وخلق حوار عالمي يربط بين الشعوب.
الحرف اليدوية
وأضافت أن الحرف اليدوية تُعد وسيلة فعّالة لتقريب الثقافات، وتُتيح للمشاركين تبادل الأفكار والرموز الفنية بأسلوب إبداعي، فالفن لا يعرف الحدود، بل يسهم في بناء جسور الحوار والتفاهم بين الشعوب.
وفي مشهد يعزز مفهوم التبادل الثقافي بين الشعوب جاءت الجهود متوازية من هيئة التراث وخصت الحرف التقليدية بمعرض سنوي دولي ” بنان ” ليكون منصة منفردة تجمع بين الحرفيين والفنانين من مخلف أنحاء العالم، لعرض وإبراز المهارات التقليدية والفنون المتنوعة. وإتاحة فرصة فريدة للتعرف على تقنيات الحرف اليدوية القديمة والمبتكرة، ويعزز من التبادل الثقافي بين الشعوب.
ومن خلال مشاركة، فن الباتيك الإندونيسي الذي أسهم في إثراء هذا الحدث، لدمجه النقوش والزخارف السعودية التقليدية بأسلوب إبداعي، مما يفتح المجال لتطوير الفنون وتوسيع نطاق استخدامها في مختلف السياقات الثقافية والفنية.