أكد خبير اقتصادي أمريكي بارز، بيل دادلي، الرئيس السابق لبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، أن الطفرة الاستثمارية في مجال الذكاء الاصطناعي حاليًا تدعم أداء سوق الأسهم والاقتصاد الأمريكي بشكل عام. ومع ذلك، يرى دادلي أن الأثر طويل الأمد لهذه التقنية قد يكون محدودًا، وأنها لن تحل المشاكل المالية الهيكلية التي تواجه البلاد. تأتي هذه التصريحات في ظل جدل متصاعد حول التأثير الحقيقي للذكاء الاصطناعي على النمو الاقتصادي والوظائف.

نشر دادلي هذه الآراء في مقالة رأي لصحيفة بلومبيرغ، حيث أوضح أن تقييم مستقبل الذكاء الاصطناعي يتطلب الإجابة على ثلاثة أسئلة رئيسية: مدى تأثيره على الإنتاجية والنمو، وآثاره على سوق العمل والبطالة، وانعكاسه على مستويات أسعار الفائدة. هذه العوامل مترابطة، وتقييمها بدقة يمثل تحديًا كبيرًا.

إنتاجية الذكاء الاصطناعي: نظرة غير يقينية

لا يزال هناك غموض كبير حول مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على زيادة الإنتاجية بشكل ملموس. يشير دادلي إلى أن التقنيات الكبرى عادةً ما تستغرق وقتًا طويلاً لإحداث تغيير حقيقي في الاقتصاد، مستشهدًا بتحولات الكهرباء التي استغرقت عقودًا حتى أصبحت تأثيرها واسع النطاق.

ويتذكر دادلي اقتباسًا للاقتصادي روبرت سولو في عام 1987 والذي لاحظ أن الحوسبة كانت “موجودة في كل مكان باستثناء إحصاءات الإنتاجية”. هذه الملاحظة لا تزال ذات صلة اليوم، حيث يواجه الخبراء صعوبة في قياس الأثر الفعلي للذكاء الاصطناعي على مستويات الإنتاج.

تقديرات الخبراء متباينة بشكل كبير. ففي حين يرى الحائز على جائزة نوبل دارون أسموغلو أن الأثر لن يتجاوز 1% خلال العقد القادم، يقدر اقتصاديون في غولدمان ساكس أن الزيادة قد تصل إلى 15% في حال “اعتماد التقنية بالكامل ودمجها في الإنتاج القياسي”. هذا التباين يعكس صعوبة التنبؤ بمسار التطور التكنولوجي.

ويرجح دادلي أن الزيادة في الإنتاجية ستكون “متواضعة في البداية، ثم تتسارع تدريجياً” مع انتشار التطبيق الفعلي للذكاء الاصطناعي داخل الشركات والمؤسسات، بدءًا من العمليات الداخلية قبل التوسع إلى العمليات الخارجية. وهذا يعني أن التأثير الكامل قد لا يظهر إلا بعد مرور سنوات.

التأثير على سوق العمل

السؤال المحوري الآخر يتعلق بتأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل. هل سيؤدي إلى استبدال العمال، أم سيساعدهم على أداء مهامهم بشكل أفضل؟ يجادل دادلي بأن الجواب ليس واضحًا.

يستشهد دادلي بمجال البرمجة كمثال. فالأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي يمكن أن تسرع عملية كتابة التعليمات البرمجية وتقلل من عدد المبرمجين المطلوبين. ومع ذلك، في الوقت نفسه، فإن هذه الأدوات قد تزيد الطلب على البرمجيات بشكل عام، مما يخلق فرص عمل جديدة في مجالات أخرى.

ويحذر دادلي من أن البطالة قد ترتفع إذا تسببت التحولات السريعة في فقدان عدد كبير من الوظائف خلال فترة قصيرة، مما يخلق “فترة انتقالية يقف فيها العمال في منطقة رمادية بحثًا عن اختصاصات جديدة”. هذا يعزز أهمية برامج التدريب وإعادة التأهيل لمساعدة العمال على التكيف مع سوق العمل المتغير.

علاقة الذكاء الاصطناعي بأسعار الفائدة

يرى دادلي أن تأثير الذكاء الاصطناعي على أسعار الفائدة أكثر مباشرة. فالابتكار التكنولوجي يرفع العائد المتوقع على الاستثمار، مما يزيد الطلب على رأس المال. في الوقت نفسه، تتطلب البنية التحتية اللازمة لدعم الذكاء الاصطناعي – مثل مراكز البيانات وشبكات الطاقة – استثمارات ضخمة، مما يزيد أيضًا من الطلب على رأس المال ويرفع أسعار الفائدة.

ويستحضر دادلي مثال طفرة الإنترنت في التسعينيات، حيث ارتفعت أسعار الفائدة الحقيقية بأكثر من 3% بفعل الاستثمارات الضخمة في بناء الشبكات الوطنية للألياف الضوئية. ويتوقع أن يكون تأثير الذكاء الاصطناعي مشابهًا، ولكنه قد يكون “مقدمًا زمنيًا” بسبب سرعة التوسع والحجم الهائل المطلوب للبنية التحتية.

المعضلة المالية الأمريكية

يختتم دادلي مقاله بالقول إن الأثر المركب للذكاء الاصطناعي “لن يكون قادرًا على إصلاح المسار المالي غير المستدام” للحكومة الأمريكية. ورغم أن زيادة الإنتاجية والنمو قد ترفع الإيرادات وتقلل من نسبة الدين إلى الناتج، إلا أن ارتفاع أسعار الفائدة سيزيد من تكاليف خدمة الدين، مما يعيق الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار المالي.

ويؤكد دادلي أن الذكاء الاصطناعي “مهم بلا شك”، لكنه “لن يغير جذريًا آفاق الاقتصاد الأمريكي طويلة الأجل”. يختم بقوله: “يمكن للمرء أن يأمل بالأفضل، لكن الأمل ليس استراتيجية”. من المتوقع أن تستمر المناقشات حول الأثر الاقتصادي طويل الأمد للذكاء الاصطناعي في الأشهر والسنوات القادمة، مع التركيز بشكل خاص على كيفية إدارة التحديات المحتملة في سوق العمل والتمويل العام.

شاركها.