عندما ألقى الرئيس الأميركي دونالد ترمب خطاباً في الكنيست الإسرائيلي قبيل توقيع خطته للسلام في غزة هذا الشهر، قدّم شكراً مسبقاً لـ”الدول العربية والإسلامية” على تعهّدها بـ”مبالغ هائلة من المال” مخصصة لإعادة إعمار القطاع الفلسطيني المدمّر.

بهذا التصريح، بدا أن ترمب وضع حداً -على الأقل من وجهة نظره- للسؤال حول كيفية تأمين مبلغ 70 مليار دولار الذي تقدّر الأمم المتحدة أنه لازم لإعادة إعمار غزة بعد الحملة العسكرية الإسرائيلية التي استمرت لعامين ضد “حماس”.

لكن الحصول على تلك الأموال من دول مثل قطر والسعودية والإمارات لن يكون بالمهمة السهلة، رغم ما أبدته هذه الدول من دعم لخطة ترمب. فلكل منها تحفظات واضحة إزاء تقديم التمويل من دون شروط، بحسب أشخاص مطّلعين على مواقف المسؤولين الخليجيين.

وبرأي إبراهيم سيف، وزير التخطيط والطاقة الأردني الأسبق والمستشار حالياً في المملكة، فإن “التعهّد بالتمويل أمر سهل، لكن تنفيذه وصرف الأموال شيء آخر تماماً”.

ترمب موقعاً وثيقة شرم الشيخ: اتفاق غزة شامل وواضح وسيصمد طويلاً

أولويات ما بعد الحرب 

تستعد مصر لاستضافة مؤتمر إعادة إعمار غزة الشهر المقبل، حيث من المتوقع أن تلعب دول الخليج العربي دوراً محورياً في هذه الجهود، ما يعيد مسألة التمويل إلى واجهة النقاش. بينما تبقى أولويات ما بعد الحرب، مثل التزام إسرائيل بالاتفاق وتجريد “حماس” من سلاحها، رهناً بالتطورات.

بحسب الأشخاص، فإن السعودية، التي قادت جهود وقف إطلاق النار وتعمل مع فرنسا لتعزيز الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، تواجه قيوداً مالية تحدّ من قدرتها على تقديم التزامات كبيرة لغزة. ويعود ذلك بشكل أساسي إلى تراجع أسعار النفط بأكثر من 10% هذا العام، ما دفع الرياض إلى تقليص مشاريع رئيسية ضمن رؤية التحول الاقتصادي 2030. كما أن المملكة بدأت تتخلى عن تقليد طويل من تقديم المنح السخية.

ويقول علي الشهابي، الكاتب والمعلق السعودي المقرب من الديوان الملكي: “الرياض لديها حساسية من توقيع شيكات على بياض، بعد عقود من الفساد وسوء الاستخدام من متلقي الدعم في العالمين العربي والإسلامي”.

ويُتوقع أن تعتمد السعودية على دول مثل قطر والإمارات وربما الكويت، التي تُعدّ أكثر سيولةً، لتحمّل الجزء الأكبر من تكاليف إعادة الإعمار، وفقاً لثلاثة أشخاص مطلعين على المداولات.

لكن الإمارات لا تزال مترددة في تخصيص مبالغ كبيرة قبل توافر “وضوح سياسي” بشأن مستقبل غزة، إلى جانب وجود ترتيبات عملياتية وأمنية على الأرض، ورؤية طويلة الأمد نحو إقامة دولة فلسطينية، وفق تصريحات أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، خلال فعالية الأسبوع الماضي.

وبحسب مسؤول إماراتي رفيع، تشترط أبوظبي نزع سلاح “حماس” بالكامل واستبعادها من أي دور مستقبلي في حكم غزة، إلى جانب إصلاح شامل للسلطة الفلسطينية.

أما قطر، التي استضافت مسؤولي “حماس” في الدوحة لأكثر من عقد، وكانت وسيطاً رئيسياً في مفاوضات غزة، فتركّز على التأكد من تنفيذ إسرائيل لتعهداتها ضمن خطة السلام، قبل ضخ أي أموال في عملية إعادة الإعمار، بحسب مصادر مطلعة على موقف الدوحة.

وتتوافق قطر والدول العربية الأخرى على استبعاد “حماس” من القيادة المؤقتة لغزة كما ورد في خطة ترمب، إلا أن بعض المسؤولين في المنطقة يعتبرون من غير الواقعي استبعاد الحركة كلياً من المشهد السياسي الفلسطيني. ويقترح هؤلاء النظر في دور قد تلعبه “حماس” عبر كيان خاضع للإصلاح في المستقبل، بحسب مسؤول عربي رفيع شارك في صياغة الخطة.

لم ترد حكومات السعودية وقطر والإمارات على طلبات التعليق على الموضوع.

تُعدُّ مشاركة “حماس” على أي مستوى “خطاً أحمر” لكل من إسرائيل والولايات المتحدة، ولا توجد مؤشرات على تغيّر هذا الموقف، خصوصاً بعد هجوم الحركة في أكتوبر 2023، والتي ما تزال تسيطر على نحو نصف قطاع غزة.

وناقش نائب الرئيس الأميركي جيه. دي فانس ومستشاره جاريد كوشنر الأسبوع الماضي مقترحاً لتقسيم غزة إلى منطقتين، بحيث تبدأ إعادة الإعمار في الجانب الخاضع لسيطرة إسرائيل فقط. ولا يزال هذا المقترح في مراحله الأولية وقد لا يُنفذ.

النفوذ والمشاركة

بحسب فراس مقصد، المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة “أوراسيا”، من المرجح أن يعتمد ترمب على قطر لتوفير جزء كبير من تمويل إعادة إعمار غزة. وقدّم الرئيس الأميركي هذا الشهر ضمانة أمنية للدوحة، ما عزز العلاقات الثنائية، لكن قطر لا تزال تطالب باستثناءات تجارية.

ويضيف مقصد: “تسعى قطر إلى النفوذ والمشاركة في غزة، سواء عبر حماس شبه المسلحة، أو بصيغتها السياسية غير المسلحة بالكامل، أو أي شكل آخر. وهذا قد يكون مشكلة بالنسبة لإسرائيل”.

من جهتها، تشدد ياسمين فاروق، مديرة مشروع الخليج وشبه الجزيرة العربية في مجموعة الأزمات الدولية، على أن “الدول الخليجية متفقة على عدم ضخ أي أموال في غزة من دون التأكد أولاً من أن ما حدث لن يتكرر”، في إشارة إلى هجوم “حماس” في 7 أكتوبر وما تلاه من صراع. وأضافت: “هذا يتطلب ضمانات من حماس بعدم مهاجمة إسرائيل، ومن إسرائيل بعدم استئناف الحرب”.

ما خطة ترمب للسلام والإعمار في غزة؟

دور الشركات مصرية بإعادة إعمار غزة 

ترى مصر، التي تعتبر غزة جزءاً من مجال نفوذها الطبيعي، أن شركاتها يمكن أن تلعب دوراً رئيسياً في إعادة الإعمار، بما في ذلك قطاعي الغاز والطاقة، بحسب الوزير الأردني السابق إبراهيم سيف.

وأشار إلى أنه يتفهم تردد الدول الخليجية في تمويل إعادة الإعمار، نظراً للتهديد الفعلي بعودة الأعمال العدائية، والتجارب السابقة في غزة، وعدم وضوح نطاق المشروع حتى الآن. وختم سيف قائلاً: “هل المطلوب هو مجرد إعادة بناء ما تهدّم؟ أم هناك خطة شاملة تمنح غزة ميناءً وكهرباء ونظام صرف صحي ومياه لائقة؟”.

شاركها.