تستورد الهند الحصة الأكبر من حاجاتها من الصين، وخاصةً المواد الخام والسلع الوسيطة. بينما يثير حظر بكين لتصدير المعادن النادرة مخاوف من الانكشاف بشدة عليها، يُظهر تحليلنا أن الاعتماد الفعلي أضيق ويتركز في قطاعات رئيسية.

في ظل هذه الظروف، يؤكد تواصل رئيس الوزراء ناريندرا مودي مع الرئيس شي جين بينغ أهمية استقرار العلاقات مع بكين، فيما تعمل الهند على بناء الاعتماد على الذات في سلاسل التوريد المعرضة للمخاطر الجيوسياسية.

ما مدى اعتماد الهند على الصين؟

استوردت الهند سلعاً بقيمة 122 مليار دولار من الصين في عام 2023. ولقياس اعتمادها التجاري على الصين، استخدمنا بيانات التجارة على مستوى نظام (HS6)، وصنفنا 4220 سلعة إلى أربع فئات: بضائع وسيطة الاعتماد عليها محوري وبضائع وسيطة أخرى وبضائع رأسمالية وأخرى استهلاكية. نُصنّف الواردات على أنها فيها اعتمادية عالية عندما تشتري الهند أكثر من 60% من الصين، وتسيطر الصين على أكثر من 60% من الصادرات العالمية.

يُظهر تحليلنا أن 93 عنصراً تندرج تحت البضائع الوسيطة عالية الاعتمادية. أي قيود على هذه العناصر قد تضر بالصناعات الهندية. من حيث القيمة، بلغت 4.2 مليار دولار في عام 2023، أي ما نحو 3.4% من إجمالي الواردات من الصين، وكان ذلك يمثل نسبة 4.8% فقط من 87.3 مليار دولار من السلع الوسيطة التي اشترتها الهند من الصين. يشير هذا إلى أن النفوذ التجاري لبكين على نيودلهي أصغر مما يُفترض غالباً.

مودي يعزز العلاقات مع الصين وروسيا متحدياً ترمب

إن اعتماد الهند على سلاسل التوريد الصينية يدفع جزئياً إلى إعادة المشاركة الحذرة مع بكين منذ أواخر عام 2024. وقد أكد حضور رئيس الوزراء ناريندرا مودي لقمة منظمة شنغهاي للتعاون الأخيرة على هذا التحول.

مؤكدٌ أن الهند ما تزال معرضة للخطر في القطاعات الحيوية. صناعة السيارات الكهربائية هي واحدة منها: تصدر الصين حوالي 60% إلى 80%​ ​من حاجات الهند من مغناطيسات المعادن الأرضية النادرة، اعتماداً على المتغير، وتمثل 62% من الإمدادات العالمية.

هذه المغناطيسات مدخلات رئيسية للسيارات الكهربائية، وقد يؤدي الحظر الكامل إلى تقليص ما يزيد قليلاً عن 0.1% من الناتج المحلي الإجمالي؛ استناداً إلى حصة قطاع السيارات البالغة 6% من الاقتصاد وتقديرنا المتوسط ​​المرجح لانتشار السيارات الكهربائية بنسبة 4% في السنة المالية 2024. ومع توقع ”بلومبرغ بي إن إي إف“ بأن يقفز اعتماد السيارات الكهربائية إلى 29% بحلول عام 2030، فإن الضرر المحتمل على الناتج المحلي الإجمالي قد يرتفع بنسبة تصل إلى 0.8% تقريباً ما لم تحقق الهند اكتفاءً ذاتياً أكبر في سلاسل التوريد الخاصة بها.

ما القطاعات المعتمدة بشدة على مدخلات صينية؟

أين يكون الاعتماد أعلى؟ تقع الواردات عالية الاعتماد بشكل رئيسي في قطاعات الإلكترونيات والمنسوجات والأدوية والمواد والزراعة والتعدين والكيماويات. تعمل بعض العناصر كمدخلات عبر صناعات متعددة.

الغرافيت الصناعي يوضح هذا: توفر الصين 80% مما تستورده الهند من هذه المادة و65% عالمياً. ويُستخدم على نطاق واسع في بطاريات أيونات الليثيوم، ولكن أيضاً في الفولاذ والسيارات والمعدات الكهربائية والفضاء. بالتالي، فإن أي انقطاع في الإمدادات قد يؤثر على عدة قطاعات في وقت واحد.

يظهر تحليلنا تراجع الاعتماد في بعض القطاعات وتكثيفه في قطاعات أخرى. في عام 2024، سجلت المنسوجات والأدوية والتعدين انخفاضاً في المستوردات الرئيسية، ويُرجح أن يكون ذلك بفضل دعم التصنيع الحكومي ودعم السياسات. مع ذلك، شهدت الإلكترونيات اعتماداً أكبر، ويُرجح أن يكون ذلك مدفوعاً بتحول سلسلة توريد ”أبل“ إلى الهند والحاجة الناتجة عن ذلك إلى مزيد من المدخلات الوسيطة.

روسيا والهند والصين.. لماذا لن ينجح إحياء التحالف الثلاثي؟

يخفي الانخفاض الإجمالي بنسبة 2% في المستورد من المكونات الصيدلانية النشطة تحولات أكثر حدة: انخفضت بعض المكونات الصيدلانية النشطة عالية القيمة بنسبة تصل إلى 20% في عام 2024، بينما ارتفعت أخرى.

يُظهر تحليلنا أن الهند بحاجة إلى علاقات مستقرة مع بكين على المدى القريب حيث تسعى إلى توسيع نطاق التصنيع المحلي للسلع عالية الاعتماد وتنويع المصادر. وقد ضمن ذوبان الجليد في العلاقات إمدادات من المعادن النادرة والأسمدة المتخصصة حالياً، لكن مع ارتفاع المخاطر الجيوسياسية، يُرجح أن تواصل الشركات الهندية الضغط من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي في سلاسل التوريد بدعم من الحكومة.

يندرج حوالي 68% من استيراد الهند من الصين ضمن السلع الوسيطة الأخرى، ما يؤكد الاعتماد ثنائي الاتجاه: تستفيد الهند من الأسعار الجذابة، بينما تحصل الصين على إمكانية الوصول إلى السوق الهندية. أي اضطراب من شأنه أن يضر بمصالح بكين، ويمكن للهند الحصول على هذه السلع بسهولة أكبر من مكان آخر، ما يجعل المخاطر أقل إقلاقاً.

قسوة الحليف ترمب تقرب الهند من الجارة اللدودة الصين

من الأمثلة على ذلك التأخيرات التي أبلغت عنها الصين وعرقلة المعدات اللازمة للإنتاج التجريبي لهاتف ”أيفون 17“. تستورد الهند 50% إلى 90% من هذه الأجهزة من الصين، لكن بكين تسيطر فقط على 2% إلى 11% من الصادرات العالمية. لذا لم يكن هنالك تأثير يذكر لجهود بكين لإبطاء تحول سلسلة توريد شركة ”أبل“ إلى الهند.

تمثل السلع الرأسمالية 16% من الواردات والسلع الاستهلاكية 12.4%. وبلغت الشحنات 19.5 مليار دولار و15.2 مليار دولار على التوالي. الاعتماد في السلع الرأسمالية ضئيل، مع أن الهند سوق رئيسية للمنتجات الصينية النهائية.

أما في السلع الاستهلاكية، فيندرج ما يقرب من نصفها ضمن فئة الاعتماد العالي. وهذا يشير إلى الاعتماد المتبادل بدلاً من الاعتماد على الرافعة المالية، ما يُبرز الاعتماد المتبادل بين الاقتصادين.

المنهجية

لتحديد السلع ذات الاعتماد العالي، استخدمنا مقياسين من بيانات التجارة لعام 2023: حصة الهند مما تستورده من المنتجات من الصين، التي تقيس الاعتماد المباشر، وحصة الصين في الصادرات العالمية، التي تشير إلى مدى قدرة الهند على تنويع المورّدين.

طبّقنا حداً أدنى بنسبة 60% على كليهما، بغرض احتساب القيود الأخيرة التي فرضتها الصين على مغناطيسات المعادن الأرضية النادرة. بالنسبة لهذه المغناطيسات -الحيوية لصناعة السيارات الكهربائية في الهند- تلبي المستوردات من الصين ما بين 60% و80% من طلب الهند، بينما تُوفر الصين حوالي 60% من الصادرات العالمية.

شاركها.