تعهدت الصين بالسعي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في التكنولوجيا وتعزيز السوق المحلية خلال السنوات الخمس المقبلة، إذ تسعى إلى حماية الاقتصاد عبر عزله عن الضغوط الأجنبية، وبناء محرك مستدام للنمو في الوقت نفسه.
ستسعى البلاد إلى تحقيق “زيادة كبيرة” في القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي، والقوة في العلوم والتكنولوجيا، بحسب بيان نشرته شبكة “سي سي تي في” (CCTV) الإعلامية الحكومية الخميس بعد اجتماع استمر أربعة أيام للجنة المركزية للحزب الشيوعي.
التفاصيل الأولية للمقترح المعتَمد تركز بشكل كبير على التنمية عالية الجودة، ودور التكنولوجيا في تطوير “القوى الإنتاجية الجديدة ذات الجودة”، والتي تشير إلى المجالات المتقدمة مثل أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي. كما أكد البيان على الحاجة إلى بناء نظام صناعي حديث، وتعزيز الابتكار في التقنيات الأساسية.
الصين تدعم الطلب وترفع الاستثمار
يعكس ذلك جهود بكين الرامية إلى رفع الإنتاجية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مواجهة تقدم السكان في العمر، والقيود الغربية على صادرات التكنولوجيا المتقدمة.
اقرأ أيضاً: أميركا تدرس فرض قيود واسعة على تصدير البرمجيات إلى الصين
في الوقت نفسه، جدد البيان الوعد بدعم الاستهلاك المحلي وزيادة الاستثمار، وتعهد بـ”القضاء بحزم على العقبات التي تعرقل بناء سوق محلية موحدة”.
طالما اعتبر الاقتصاديون ارتفاع الطلب المحلي عنصراً حيوياً لإعادة التوازن إلى الاقتصاد وتقليل اعتماده على الصادرات والاستثمار الممول بالاستدانة، مع ذلك، يُتوقع الإعلان عن أي تدابير حكومية جديدة في وقت لاحق.
استقرت العقود الآجلة لمؤشر “فوتسي تشاينا إيه 50” (FTSE China A50) بعد صدور البيان، ولم يطرأ تغيير يُذكر على اليوان وعائد السندات الحكومية الصينية لأجل 10 سنوات.
ضغوط على الصين لتغيير نموذج النمو
يستند هذا التركيز المكثف على التكنولوجيا إلى استراتيجية وُضعت في 2020، عند الإعلان عن الخطة الخمسية السابقة بعد انتهاء الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترمب. وباتت هذه الجهود أكثر إلحاحاً مع سعي واشنطن حالياً إلى تحقيق ما تطلق عليه اسم “فك الارتباط الاستراتيجي” مع الصين، عبر استهدف مجموعة واسعة النطاق من القطاعات، بدءاً من أشباه الموصلات ووصولاً إلى الأدوية، وفرض عقوبات على عدد متزايد من الشركات الصينية.
تتعرض الصين لضغط لتغيير نموذجها للنمو، في ظل ما تواجهه القوة الصناعية الكبرى من الرسوم الجمركية الأميركية المرتفعة، ومعارضة شركاء تجاريين آخرين التدفق الغزير للصادرات الصينية إلى أسواقهم. وتزايدت نسبة صافي الصادرات من توسع الاقتصاد في السنوات الماضية، بينما تراجع الاستهلاك.
كما أشار البيان إلى أنه يجب على البلاد تسريع وتيرة التحول إلى قوة في مجالات التصنيع، والجودة، والطيران، والنقل، والإنترنت، والحفاظ على نسبة إسهام الصناعة في الاقتصاد عند مستوى “معقول”، كما سيحظى تعزيز الجودة والكفاءة في قطاع الخدمات بدعم، وستُشيد منظومة بنية تحتية حديثة.
دور الأسر الصينية
مع تزايد الظروف التجارية المعاكسة، سيتعين على الأسر الصينية زيادة الإنفاق للمساعدة في استيعاب فائض الطاقة الإنتاجية الصناعية في البلاد، والخروج من موجة الانكماش القياسية. وقد حث اقتصاديون وعدد من المسؤولين الأجانب، من بينهم وزير الخزانة الأميركية سكوت بيسنت، بكين على استخدام الخطة لتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي وتحفيز إنفاق الأسر.
اقرأ أيضاً: رغم ازدهار الصادرات.. اقتصاد الصين يواجه أسوأ ربع في 2025
وتعهد البيان بـ”زيادة الجهود الرامية إلى ضمان وتحسين سبل معيشة الشعب، وتطوير نظام التأمين الاجتماعي”، كما وعد بـ”بدعم التطوير عالي الجودة لقطاع العقارات”، مؤكداً جهود المسؤولين لتحقيق الاستقرار في هذا القطاع الحيوي المرتبط بمعظم ثروات الأسر.
سيدرس المحللون والمستثمرون بدقة شديدة الخطة الخمسية الكاملة، المتوقع الإعلان عنها في الاجتماع السنوي للهيئة التشريعية في مارس، بحثاً عن التزامات مالية محددة تدعم تحقيق هذه الأهداف.
وقالت ميشيل لام، محللة اقتصاد الصين الكبرى لدى “سوسيتيه جنرال” (Societe Generale)، إن “العنصر الحاسم حقاً هو مدى حزم صناع السياسات في تحقيق هذه الأهداف”، وساقت رفع مدفوعات التقاعد مثالاً على ذلك.
توقعات بتباطؤ نمو الاقتصاد الصيني
بينما تركز الخطة على المدى الطويل، بعث البيان برسالة قوية بخصوص المدى القصير، إذ تعهد بتعزيز سياسات الاقتصاد الكلي في الوقت المناسب لدعم الاقتصاد.
ويتوقع اقتصاديون على نطاق واسع تباطؤ النمو خلال الأعوام المقبلة، مع بحث بكين عن نموذج نمو جديد أكثر استقراراً.
اقرأ أيضاً: الصين متأكدة من تحقيق هدفها للنمو رغم التراجع النادر بالاستثمارات
يُرجح أن يحدد صناع السياسات متوسط معدل نمو سنوي مستهدف في نطاق 4.5% إلى 4.8% خلال الفترة ما بين عامي 2026 و2030، وفقاً لتحليلات أجرتها شركات من بينها “ماكواري غروب” (Macquarie Group) و”ستاندرد تشارترد”. ويتجه الاقتصاد الصيني إلى تحقيق متوسط معدل نمو سنوي يبلغ 5.5% خلال السنوات الخمس المنتهية في 2025، بحسب تقديرات حكومية سابقة.
عقبات أمام نمو الاقتصاد الصيني
يكمن أحد التحديات الرئيسية أمام تحقيق هذا الهدف في استمرار ضعف إنفاق الأسر في الصين، والذي شكل نحو 40% فقط من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي. ولم تشهد هذه النسبة ارتفاعاً يُذكر مقارنةً بمستواها في 2019، قبل أن تفضي الجائحة إلى تعثر ما كان اتجاهاً صعودياً.
يدعو بعض الاقتصاديين إلى إصلاحات جذرية لتحفيز هذا النوع من الإنفاق، فدعا روبين شينغ من “مورغان ستانلي” إلى إصلاح شامل لبرامج الرعاية الاجتماعية على عدة سنوات، مشيراً إلى أن ذلك سيتيح فائض مدخرات أسرية يبلغ 30 تريليون يوان (4.2 تريليون دولار)، بحسب التقديرات.
وتوقع أن تؤدي هذه الخطوة إلى ارتفاع نسبة الاستهلاك الخاص من الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 1.6 نقطة مئوية بحلول 2030. في حين أشار اقتصاديون لدى “يو بي إس”، ومن بينهم نينغ تشانغ، إلى أن بإمكان الحكومة اتخاذ خطوة أولى أكثر بساطة، تتمثل في تحديد مستهدف رسمي واضح لنسبة الاستهلاك من الناتج المحلي الإجمالي.






