في مشهد يحمل دلالات تاريخية كبرى، أعلنت بريطانيا اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، لتطوي صفحة طويلة من التردد والجدل السياسي استمرت أكثر من قرن. القرار الذي جاء بعد 108 سنة على وعد بلفور (1917)، الوثيقة التي فتحت الطريق أمام المشروع الصهيوني وأسهمت في اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه، اعتُبر بمثابة تصحيح متأخر لخطأ تاريخي جسيم.

لحظة فارقة في التاريخ

حين أطلق وزير الخارجية البريطاني آنذاك، آرثر بلفور، وعده الشهير قبل قرن، لم يكن الفلسطينيون سوى تفصيلة منسية في معادلة القوى العالمية، اليوم، يأتي اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين ليعيد الاعتبار لهؤلاء الذين دُفعوا إلى الظل لعقود طويلة، إنها لحظة فارقة، تختزل المسافة بين الجرح القديم وبداية الاعتراف بالحق.

إسرائيل في حالة غضب وارتباك

أثار القرار البريطاني موجة استياء حاد داخل إسرائيل، حيث وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي  بنيامين نتنياهو الخطوة بأنها “مكافأة للإرهاب”، فيما اعتبرت وزارة الخارجية أن الاعتراف “يُضعف فرص السلام ويشجع الفلسطينيين على رفض المفاوضات المباشرة”.

و ذهب الإعلام العبري أبعد من ذلك، متحدثا عن “طعنة بريطانية في الظهر” و”خيانة تاريخية” من الدولة التي كانت شريكا أساسيا في تأسيس إسرائيل، بعض المعلقين في الصحف الإسرائيلية اعتبروا أن الخطوة قد تؤدي إلى فتح الباب أمام مزيد من الاعترافات الأوروبية، وهو ما يضع إسرائيل في مأزق دبلوماسي غير مسبوق.

سياق دولي ضاغط

لم يكن القرار البريطاني معزولًا عن التحولات الدولية المتسارعة، فقد سبقته خطوات مماثلة من أستراليا وكندا، وجاء في عشية التحضير للمؤتمر الدولي رفيع المستوى للتسوية السلمية للقضية الفلسطينية، بقيادة السعودية وفرنسا. 

وبذلك يرتفع عدد الدول الداعمة لفلسطين إلى 159 من أصل 193 عضوا في الأمم المتحدة.

رمزية الاعتراف البريطاني

قد يكون اعتراف أي دولة بفلسطين مهما، لكن الرمزية البريطانية تحمل وزنا مختلفا، فالدولة التي أطلقت الشرارة الأولى للصراع من خلال وعد بلفور، تعود بعد أكثر من قرن لتعترف بفلسطين كدولة ذات سيادة، الرسالة هنا ليست سياسية فقط، بل أخلاقية وتاريخية، وتكشف عن مراجعة متأخرة لمسؤولية استعمارية لم تغب عن ذاكرة الفلسطينيين.

ردود الفعل الفلسطينية

قوبل القرار بترحيب واسع داخل فلسطين وخارجها، حيث اعتبرتها السلطة الفلسطينية  “خطوة شجاعة تعيد بعض الاعتبار للعدالة”، فيما وصفت الفصائل الفلسطينية الاعتراف بأنه “انتصار دبلوماسي” و”تأكيد على أن الحق لا يسقط بالتقادم”. بالنسبة للفلسطينيين، بدا الاعتراف وكأنه شهادة من قلب التاريخ على عدالة قضيتهم.

أبعاد مستقبلية

يرى المحللون  أن الاعتراف البريطاني قد يشكل بداية مرحلة جديدة في الصراع، حيث لم يعد الدعم الغربي لإسرائيل مطلقا كما كان في السابق، كما أنه يمنح الفلسطينيين دفعة قوية في المؤسسات الدولية، ويضع إسرائيل أمام عزلة دبلوماسية متزايدة، خصوصا إذا لحقت دول أوروبية كبرى أخرى بالركب.

 

شاركها.