السنوار استشهد خلال مواجهة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي برفح (الجزيرة)

الإستراتيجية الغائبة

وفي تصريحه الأول عقب اغتيال السنوار، لم يكن نتنياهو في عجلة من أمره، وأبقى خياراته مفتوحة قائلا إن “الحرب لم تنتهِ” مشيرا إلى أن الوصول إلى السنوار واغتياله يمثل نجاحا لإستراتيجيته في وجه الضغوط التي كانت مسلطة عليه، وفق تقديره.

ورغم أن عملية اغتيال السنوار والوصول إلى مكانه كانت صدفة، حسب ما اتضح من المعلومات الإسرائيلية، قال نتنياهو “الآن بات واضحا للجميع، في إسرائيل وفي العالم، لماذا أصررنا على عدم وقف الحرب.. ولماذا أصررنا برغم كل الضغوط على دخول رفح حيث قتل السنوار”.

ولم يبعث نتنياهو في تصريحاته بإشارة “طمأنة” لحليفه الأميركي الباحث أيضا عن “صورة نصر” يوظفه في معركة الانتخابات الرئاسية الطاحنة، ولا للرأي العام الإسرائيلي أو أهالي المحتجزين، وهو ما يشير إلى أنه يفتقر لإستراتيجية خروج من الحرب، نظرا لصعوبة وضبابية مفهوم “النصر المطلق” الذي يبحث عنه.

وفي هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي ألون بينكاس في صحيفة هآرتس الإسرائيلية (عدد 18 أكتوبر/تشرين الأول) إن من عجيب المفارقات أن قتل السنوار الذي طال انتظاره “يكشف عن غياب أي خطة أو أفكار سياسية إسرائيلية متماسكة لمرحلة ما بعد الحرب في غزة”

ويرى بينكاس أنه “لهذا السبب لن تنتهي الحرب في أي وقت قريب ما لم يحدث استسلام جماعي من جانب حماس في الأيام والأسابيع المقبلة” وهو أمر لم يكن قابلا للتنفيذ ولن يكون كذلك، كما أن حماس على لسان خليل الحية عضو المكتب السياسي ونائب رئيسها الراحل أكدت الاستمرار في ثوابتها العسكرية والسياسية.

وقال الحية ناعيا السنوار “نقول للمتباكين على أسرى الاحتلال لدى المقاومة إن هؤلاء الأسرى لن يعودوا لكم إلا بوقف العدوان على شعبنا في غزة والانسحاب الكامل منها وخروج الأسرى الأبطال من سجون الاحتلال”.

ويفسر نتنياهو رحيل السنوار بأنه ورقة ضغط جديدة اكتسبها في مواجهة حماس -وكذلك المجتمع الدولي- قد تحقق له مزيدا من الإنجازات التكتيكية ضمن رؤيته لما يسميه “الشرق الأوسط الجديد” الذي يريد تشكيله بفائض من النزوع إلى الحرب، وإسقاط كل مبادرات التهدئة.

وقد جاء استشهاد السنوار بعد أيام من إطلاق جيش الاحتلال عملية واسعة في مخيم جباليا شمال القطاع ضمن ما يعرف بـ”خطة الجنرالات” التي تهدف إلى إخلاء شمال القطاع من سكانه وإقامة حزام أمني دائم تمهيداً لاستئناف الاستيطان والعودة عمليا إلى الوضع الذي كان قائما قبل عام 2005.

كما يأتي استشهاد السنوار أيضا مع تصاعد الحرب الإسرائيلية على لبنان ومحاولات التوغل البري في جنوبه، حيث تحولت عناوينه إسرائيليا من إعادة مستوطني الشمال، إلى احتلال عمق 10 كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية، ومن ثم تغيير التوازنات في الشرق الأوسط برمته وإيجاد وضع إستراتيجي جديد.

ويمكن بالتالي فهم سياسات نتنياهو في غزة، والتي من المرجح ألا يوافق على أي وقف لإطلاق النار فيها، ضمن الترتيبات التي يريدها للمنطقة ككل، مستغلا الإنجازات التكتيكية التي حققها، ومتغاضيا عن الخسائر التي تكبدتها إسرائيل في حرب طويلة لم تعهدها.

ولا يفصل نتنياهو بين ما يجري في غزة والاستعدادات لشن ضربة عسكرية ضد إيران، ردا على الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

وحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية فإن القرار الذي قد يتخذه نتنياهو، سواء بالتوجه إلى وقف الحرب أو المضي بها، وهو المرجح وفق تقديرها “سيتوقف عليه مصير الحرب الأوسع في الشرق الأوسط، ومصير الرهائن، ومصير العلاقات المتوترة بين إسرائيل والعالم، ومصير نتنياهو نفسه”. وهو ما يحسب له نتنياهو حسابا أكثر من غيره.

شاركها.