فاجأ قرار جو بايدن عدم الترشح لولاية رئاسية ثانية، والاكتفاء بالفترة الحالية، بعض المتابعين، فيما لم يندهش قطاع آخر من المتابعين من الإجراء؛ للأداء الضعيف والواهن للرئيس الأمريكي أمام منافسه الجمهوري دونالد ترامب في المناظرة التي جرت قبل نحو شهر.
وأمام ضغوط المانحين وكبار الديمقراطيين، وتيقن “بايدن” من ضعف فرصه في هزيمة “ترامب” على وقع نتائج استفتاءات واستطلاعات متعددة، جرت في الآونة الأخيرة، وأبانت اكتساح المرشح الجمهوري، أعلن الرئيس الحالي عزمه الاكتفاء بقضاء فترته الراهنة، التي تنتهي في يناير 2025، ومن ثم إخلاء البيت الأبيض لساكنه الجديد.
وعلى الرغم من قرار “بايدن” غير المعتاد تخليه عن حقه في إعادة انتخابه إلا أنه لم يكن أول من يفعل ذلك في التاريخ الأمريكي؛ فهناك 3 رؤساء سبقوه إلى ذاك المنحى.
فترة طويلة جدًّا
كانت فترة الرئيس الثلاثين للولايات المتحدة الأمريكية جون كالفين كوليدج الابن مميزة؛ إذ كان يتمتع بشعبية كبيرة وسط الأمريكيين بعد أن أعاد ثقة الجمهور في البيت الأبيض بعد فضائح إدارة سلفه وارن هاردينج.
وتولى “كوليدج” الرئاسة عام 1923 بعد وفاة وارن هاردينج المفاجئة؛ إذ كان نائبًا للرئيس المتوفى، ثم انتُخب للرئاسة في عام 1924، لكن الرئيس الجمهوري قرر قبيل انتخابات عام 1928 عدم استخدام حقه في إعادة الانتخاب مبررًا ذلك بأن المكوث لمدة 10 سنوات في البيت الأبيض في حال أعيد انتخابه ستكون فترة طويلة جدًّا على أي شخص؛ لذا قرر الاكتفاء بما قضاه في الرئاسة الأمريكية، واعتزال السياسة برمتها، قبل أن توافيه المنية عام 1933 عن عمر 61 عامًا.
رجل القنبلة النووية
مثل “كوليدج” تولى هاري ترومان رئاسة الولايات المتحدة عقب وفاة فرانكلين روزفلت عام 1945؛ ليصبح الرئيس الثالث والثلاثين في البيت الأبيض.
لم يكن “ترومان” سعيد الحظ بالرغم من أن سلفه ترك له الرئاسة منذ بداية المدة الرئاسية؛ فقد أعيد انتخاب “روزفلت” قبلها بنحو 3 أشهر فقط، وكانت الفترة الرئاسية لا تزال في بدايتها، وقد ترك له سلفه تحديات جمة، وصعوبات بالغة، عليه أن يتجاوزها بمفرده. كما كانت الأمة الأمريكية في وقت شديد الحساسية خلال الحرب العالمية الثانية.
في السنة الأولى للرئيس الديمقراطي منح الإذن لقواته الجوية بإلقاء القنبلة النووية الأولى في التاريخ على مدينتَي هيروشيما ونجاساكي اليابانيتَين في حدث جلل، لن يمحى من ذاكرة التاريخ، كما خاض حربًا باردة شرسة مع الاتحاد السوفييتي عقب انتصار البلدين في الحرب العالمية الثانية، وتطلُّع كل منهما لقيادة العالم منفردًا.
صعوبة تلك المرحلة من التاريخ الأمريكي والعالمي ألقت بظلالها على “ترومان” ومسألة ترشحه؛ فبعد فوزه بالانتخابات الرئاسية في عام 1948 جاءت انتخابات 1952 بما لا تشتهي السفن؛ فقد تراجعت شعبية الرئيس الأمريكي بشدة بعد فضائح فساد داخل إدارته، ووجود شيوعيين في دوائر الحكم المقربة منه، فضلاً عن الانتقادات التي وُجهت له خلال إدارته الحرب الكورية التي جرت بين الكوريتين الشمالية والجنوبية عام 1950.
ودفعت نتائج استطلاعات الرأي التي أخرت “ترومان” عن منافسيه إلى إعلانه الانسحاب، والاكتفاء بالوقت الذي قضاه في البيت الأبيض.
“فيتنام” أنهت عليه!
على المنوال نفسه كانت ظروف وملابسات تولي ليندون جونسون الحكم في أمريكا؛ فقد اعتلى الرئيس السادس والثلاثون للبلاد سدة الحكم عقب اغتيال الرئيس جون كينيدي في 1963 قبل أن يفوز بولايته الأولى رئيسًا منتخبًا في 1964.
ولم تكن الظروف أفضل حالاً ممن سبقه في الحكم في تلك الحقبة من التاريخ الأمريكي والعالمي؛ فقد تراجعت شعبية “جونسون” تحت وطأة الخسائر الأمريكية الفادحة في فيتنام. كما واجه الرئيس الديمقراطي مآزق داخلية من جراء أعمال شغب واسعة في المدن الكبرى، إضافة إلى تصاعد حركات مناهضة للحرب في فيتنام، وداعية إلى إنهائها، وإعادة الجنود الأمريكيين إلى الوطن.
ومع الاضطرابات الكبرى في نهاية فترته الانتخابية الأولى، وتراجُع شعبيته، قرر “جونسون” الانسحاب من السباق الانتخابي، وعدم استخدام حقه في ولاية ثانية، وعاد إلى مزرعته في ولاية تكساس حيث تُوفي بنوبة قلبية في سن الرابعة والستين في 22 يناير 1973.