تشهد الولايات المتحدة جدلاً واسعاً بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أثارت ضجة في الأوساط الطبية والإعلامية، حين أعلن أنّ الأطباء سيتلقّون قريباً تعليمات بعدم وصف مسكّن الألم الشهير “تايلينول” للنساء الحوامل، بدعوى وجود صلة بينه وبين التوحّد.
ورغم تأكيد ترامب أنّ النساء يجب أن “يقاتلن بشراسة” لعدم تناوله إلا في حالات الحمّى الشديدة، إلا أن خبراء الصحة رفضوا هذه المزاعم واعتبروها خطيرة وتفتقر إلى الأدلة العلمية القاطعة.
تصريحات ترامب والجدل الطبي
خلال اجتماع في المكتب البيضاوي الإثنين، شدد ترامب على أن تناول “تايلينول” – المعروف عالمياً بالباراسيتامول – “ليس جيداً” للنساء الحوامل. وقد جاءت تصريحاته بالتزامن مع نقاشات أمريكية حول أسباب اضطراب التوحّد الذي يظل لغزاً طبياً معقداً.
لكن الكلية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد سارعت إلى رفض هذه المزاعم، وأكد رئيسها الدكتور ستيفن فليشمان أنّ ما طرحه ترامب “لا يستند إلى مجمل الأدلة العلمية”، مشدداً على أنّ الدراسات لم تُظهر أي دليل على علاقة مباشرة بين الاستخدام الحكيم للأسيتامينوفين ومشكلات نمو الجنين.
ما هو “تايلينول”؟
“تايلينول” دواء متداول يُباع من دون وصفة طبية ويحتوي على مادة الأسيتامينوفين (الباراسيتامول)، ويُستخدم لتخفيف الألم وخفض الحرارة. ويُعتبر أحد أكثر الأدوية شيوعاً في العالم، حيث يُباع بأشكال مختلفة تناسب الأطفال والرضّع، ما جعله جزءاً أساسياً من صيدليات المنازل لعلاج الأوجاع البسيطة والحمّى.
الموقف الطبي الرسمي
الجمعيات الطبية الكبرى أكدت أن تايلينول آمن للحامل عند استخدامه بالجرعات الموصى بها. ففي بريطانيا، تعتبر هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) الباراسيتامول “الخيار الأول” بين المسكنات للنساء الحوامل، لافتة إلى أنه لا يسبب ضرراً للجنين. كما أكدت شركة “كينفيو” المصنّعة للدواء أنه “المسكّن الأكثر أماناً” للحوامل، لكنها شددت على ضرورة استشارة الأطباء قبل تناوله.
جدل الدراسات حول التوحّد
رغم بعض الأبحاث التي أشارت إلى احتمال وجود ارتباط محدود بين تناول الباراسيتامول أثناء الحمل وزيادة خطر التوحّد، فإن هذه الدراسات جاءت متباينة ولم تثبت علاقة سببية مباشرة. مراجعة بحثية أجرتها جامعة هارفارد في أغسطس خلصت إلى توصية بتقليل الاستخدام، لكنها لم تنفِ فائدة الدواء في تخفيف الألم والحمّى. بالمقابل، أظهرت دراسة أخرى عام 2024 عدم وجود أي صلة واضحة بين “تايلينول” والتوحّد.
كيف يعمل “تايلينول”؟
حتى اليوم لا يوجد إجماع علمي حول الآلية الدقيقة لعمل الباراسيتامول. تشير بعض النظريات إلى أنه يؤثر على الجهاز العصبي المركزي، ويمنع بعض المواد الكيميائية المسؤولة عن إشارات الألم وتنظيم الحرارة. وهناك فرضية أخرى تفيد بأنه يتحول في الجسم إلى مركب (AM404) يؤثر على المسارات العصبية المرتبطة بالألم.
الاستخدام والجرعات الآمنة
تشدد الهيئات الطبية على الالتزام بالجرعة الموصى بها: قرص أو قرصان (500 ملغ) حتى أربع مرات يومياً، بحد أقصى ثمانية أقراص خلال 24 ساعة. وتجاوز هذه الجرعة قد يؤدي إلى تلف خطير في الكبد. وتشير بيانات إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) إلى أن الجرعات الزائدة من الباراسيتامول كانت السبب الرئيسي للفشل الكبدي الحاد في الولايات المتحدة بين 1998 و2003.
بينما يصف ترامب “تايلينول” بالخطر على الحوامل، تتمسك المؤسسات الطبية العالمية باعتباره دواء آمناً عند استخدامه بحكمة. ويظل الجدل حول علاقته المحتملة بالتوحّد مفتوحاً، لكن الرأي السائد علمياً حتى الآن يؤكد غياب دليل قاطع يربط بينهما. ويبقى الحل الوسط هو الاستشارة الطبية الدقيقة، والالتزام بالجرعات الموصى بها لضمان سلامة الأم والجنين.