دُشِّن “بيت اللبان” المؤقت في محافظة العُلا، كجزء من تجربة طريق البخور، في فعالية تعكس التعاون الثقافي بين المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان. يهدف هذا المشروع إلى إبراز الأهمية التاريخية لـ اللبان، وتسليط الضوء على مساره التجاري العريق الذي ربط جنوب الجزيرة العربية ببقية العالم. الافتتاح جرى مؤخرًا مع توقعات باستقبال أعداد كبيرة من الزوار المهتمين بالتراث والثقافة.
تقع هذه المبادرة الثقافية في البلدة القديمة في العُلا، وهي منطقة تشتهر بتراثها الأثري الغني وموقعها الاستراتيجي على طريق البخور القديم. يأتي إطلاق “بيت اللبان” ضمن جهود متسارعة لتطوير المنطقة السياحي والثقافي، وتسليط الضوء على تاريخها العماني والسعودي المشترك. وتعتبر هذه الخطوة تنفيذاً لرؤية المملكة في تعزيز السياحة الثقافية.
أهمية اللبان في طريق البخور
لطالما كان اللبان سلعة ثمينة للغاية، ليس فقط لأغراضه الطبية والعطرية، بل أيضًا لأهميته الاقتصادية والاجتماعية في العصور القديمة. حملت قوافل عبر الصحاري لفترات طويلة هذا الراتنج العطري، مما جعل طريق البخور شريانًا حيويًا للتجارة بين الحضارات القديمة. يشكل وادي دوكة في سلطنة عُمان المصدر الرئيسي لهذا الكنز الطبيعي، حيث ازدهرت زراعة أشجار اللبان لقرون.
رحلة اللبان عبر شبه الجزيرة العربية
لم يكن طريق البخور مسارًا واحدًا، بل شبكة معقدة من الطرق البرية والبحرية التي ربطت عُمان باليمن ومن ثم بالشام والبحر الأبيض المتوسط. وفقًا للدراسات الأثرية، لعبت مدن مثل تيماء والبتراء دورًا هامًا كمحطات توقف لتجار اللبان، مما ساهم في ازدهارها الثقافي والاقتصادي. تعتبر العُلا، بموقعها المتميز، جزءًا لا يتجزأ من هذه الشبكة التجارية التاريخية.
تأتي هذه الشراكة السعودية العمانية في سياق جهود مشتركة لتعزيز الوعي بأهمية التراث الثقافي المشترك. تشمل هذه الجهود ترميم المواقع الأثرية، وتنظيم الفعاليات الثقافية، ودعم الأبحاث التاريخية. يهدف الطرفان أيضًا إلى تطوير السياحة المستدامة في المناطق المرتبطة بطريق البخور. وقد أعلنت وزارة الثقافة السعودية عن دعمها الكامل لهذه المبادرات.
يعرض “بيت اللبان” جوانب مختلفة من ثقافة اللبان، بدءًا من زراعته وحصاده وصولًا إلى استخداماته التقليدية والحديثة. يشمل المعرض أدوات ومعدات مرتبطة بتجارة اللبان، بالإضافة إلى معلومات حول تاريخه وأهميته في مختلف الحضارات. كما يتيح للزوار فرصة التعرف على الحرفيين المحليين الذين ما زالوا يمارسون فن صناعة منتجات اللبان.
تعتبر هذه المبادرة جزءًا أوسع من خطط تطوير منطقة العُلا كوجهة سياحية عالمية. تستثمر المملكة العربية السعودية بشكل كبير في البنية التحتية السياحية، وتسعى جاهدة لجذب الزوار من جميع أنحاء العالم. ويشمل ذلك تطوير الفنادق الفاخرة، وإنشاء المتاحف والمعارض، وتنظيم الفعاليات الثقافية والترفيهية. تعتبر المنطقة وجهة متنامية للسياحة التاريخية والبيئية وكذلك المغامرات.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الشراكة الثقافية تعكس عمق العلاقات التاريخية بين المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان. تجمعهما روابط قوية في مجالات الثقافة والتجارة والأمن. وتسعى القيادتان في البلدين إلى تعزيز هذه العلاقات في جميع المجالات، بما يخدم مصالح الشعبين.
تأتي هذه الخطوة في أعقاب إدراج طريق البخور كموقع تراث عالمي لليونسكو، مما زاد من أهميته وضرورة الحفاظ عليه. تسعى المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان إلى العمل معًا لضمان حماية هذا التراث الثقافي للأجيال القادمة. وتشمل هذه الجهود مكافحة الاتجار غير المشروع بالآثار، وتنظيم السياحة بشكل مسؤول، وتوعية الجمهور بأهمية التراث الثقافي.
من المتوقع أن يستمر “بيت اللبان” المؤقت في استقبال الزوار لعدة أشهر، قبل أن يتم تطوير موقع دائم لعرض ثقافة اللبان بشكل أكثر شمولية. تعتبر هذه الخطوة بمثابة مرحلة انتقالية نحو تحقيق رؤية طويلة الأمد لتطوير العُلا كمركز ثقافي وسياحي عالمي. وستراقب الجهات المعنية عدد الزوار وتقييم تأثير المشروع على الاقتصاد المحلي.
في الختام، يمثل إطلاق “بيت اللبان” في العُلا علامة فارقة في جهود إحياء طريق البخور وتسليط الضوء على تراث المنطقة الغني. تعتبر هذه المبادرة الثقافية السعودية العمانية خطوة مهمة نحو تعزيز السياحة الثقافية، وحماية التراث الثقافي المشترك، وتعميق العلاقات بين البلدين. ومن المنتظر أن تعلن وزارة السياحة السعودية عن تفاصيل خططها المستقبلية لتطوير طريق البخور في الأشهر القادمة.






