صادق البرلمان الجزائري اليوم الأربعاء على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي للجزائر، واصفًا إياه بـ”جريمة دولة” ومطالبًا بـاعتذار رسمي. وجاء هذا التصويت بالإجماع، مع تأكيد القانون على مسؤولية الدولة الفرنسية عن المآسي التي تسببت بها خلال فترة الاستعمار، التي امتدت 132 عامًا. يهدف القانون إلى إرساء ذكرى وطنية قوية وتعزيز المطالبة بالتعويضات عن الأضرار التي لحقت بالجزائر وشعبها.
وقف أعضاء البرلمان تحت قبة المجلس الشعبي الوطني وهم يرتدون ألوان العلم الجزائري، وصفقوا بحرارة بعد إقرار النص. ويعتبر هذا القانون خطوة هامة في مسار استعادة الذاكرة التاريخية للجزائر، ووضع حد للتقليل من شأن الجرائم التي ارتكبت خلال الحقبة الاستعمارية. ويأتي هذا الإجراء في خضم توترات دبلوماسية مستمرة بين البلدين.
دلالة قانون تجريم الاستعمار الفرنسي
يعد هذا القانون خطوة تاريخية، حيث أنه الأول من نوعه الذي يتخذ في الجزائر لتجريم الاستعمار الفرنسي بشكل صريح. ويأتي في سياق جهود متواصلة لإعادة كتابة التاريخ من منظور جزائري، وتسليط الضوء على الجرائم والفظائع التي ارتكبت خلال فترة الاستعمار. ويشمل القانون عدداً من الجرائم التي تعتبر “غير قابلة للتقادم”، مثل الإعدام خارج نطاق القانون والتعذيب والاغتصاب.
بالإضافة إلى ذلك، يطالب القانون فرنسا بتنظيف مواقع التفجيرات النووية التي أجرتها في الصحراء الجزائرية بين عامي 1960 و 1966، وتسليم الخرائط المتعلقة بهذه التجارب. كما يطالب بإعادة الأموال والممتلكات التي تم الاستيلاء عليها خلال فترة الاستعمار، بما في ذلك الأرشيف الوطني الجزائري. هذه المطالب تهدف إلى تحقيق العدالة والتعويض عن الأضرار التي لحقت بالجزائر.
مطالب التعويضات والمسؤولية القانونية
ينص القانون على أن التعويض الكامل والمنصف عن الأضرار المادية والمعنوية التي خلّفها الاستعمار الفرنسي هو حق ثابت للدولة والشعب الجزائري. ومع ذلك، يرى خبراء قانونيون أن تنفيذ هذه المطالبة قد يكون صعبًا بدون اللجوء إلى هيئات دولية أو اتفاق ثنائي مع فرنسا. ويؤكدون أن القانون يحمل بعدًا رمزيًا وسياسيًا أقوى من كونه أداة قانونية ملزمة.
ردود الفعل الدولية
لم تصدر فرنسا حتى الآن رد فعل رسمي على القانون الجديد. في وقت سابق، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، باسكال كونفافرو، إنه لا يعلق على النقاشات السياسية التي تجري في الدول الأجنبية. من جهته، أشار الباحث حسني قيطوني إلى أن القانون لا يحمل أي بعد دولي من الناحية القانونية، وبالتالي لا يمكنه إلزام فرنسا.
يأتي إقرار هذا القانون في ظل استمرار الخلافات بين الجزائر وفرنسا حول قضايا تاريخية وحالية. وتشمل هذه الخلافات قضايا الهجرة والذاكرة الاستعمارية والتعاون الاقتصادي. ويتوقع أن يؤدي القانون إلى مزيد من التوتر في العلاقات الثنائية، على الأقل في المدى القصير.
من المتوقع أن تبدأ الحكومة الجزائرية في وضع آليات لتنفيذ القانون الجديد، بما في ذلك تشكيل لجنة وطنية لجمع الأدلة والشهادات المتعلقة بجرائم الاستعمار. كما قد تسعى الجزائر إلى رفع هذه القضية إلى المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة. يبقى أن نرى ما إذا كانت فرنسا ستستجيب للمطالب الجزائرية، أو ما إذا كانت ستستمر في رفض الاعتذار والتعويض.






