بدأت اليوم الأحد في ميانمار (بورما) المرحلة الأولى من انتخابات تشريعية مثيرة للجدل، حيث فتحت مراكز الاقتراع أبوابها أمام الناخبين. تأتي هذه الانتخابات بعد حوالي خمس سنوات من الاستيلاء العسكري على السلطة، وفي ظل استمرار حرب أهلية واسعة النطاق في البلاد. يرى المجلس العسكري الحاكم أن هذه الانتخابات تمثل عودة إلى الديمقراطية، بينما يصفها منتقدوها بأنها محاولة لترسيخ سلطته.
شملت الجولة الأولى من هذه الانتخابات التي تجري على ثلاث مراحل، مناطق رئيسية مثل يانغون وماندالاي والعاصمة نايبيداو. وقد بدأت عملية التصويت في الساعة السادسة صباحًا بالتوقيت المحلي، وسط إجراءات أمنية مشددة. وتعتبر هذه الانتخابات الأولى من نوعها منذ الانقلاب العسكري عام 2021.
خلفية الانتخابات التشريعية في ميانمار
تأتي هذه الانتخابات في سياق تاريخي معقد، حيث شهدت ميانمار فترات طويلة من الحكم العسكري، مع استثناء وجيز بين عامي 2011 و 2021. وقد أثار المجلس العسكري جدلاً واسعًا حول الشروط والقيود المفروضة على العملية الانتخابية، مما أدى إلى مقاطعة العديد من الأحزاب السياسية.
إجراءات أمنية مشددة ومناطق مستثناة
انتشرت قوات الأمن بشكل مكثف حول مراكز الاقتراع، بما في ذلك جنود مسلحون ودوريات عسكرية في الطرق الرئيسية. وقد اتخذت هذه الإجراءات الأمنية المشددة في ظل تصاعد العنف والصراعات في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، استثنيت المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة من عملية الاقتراع، مما أثار تساؤلات حول مدى تمثيلية هذه الانتخابات.
وفقًا لبيانات “الرابطة البورمية لمساعدة السجناء السياسيين”، يوجد في ميانمار ما يقرب من 22 ألف سجين سياسي. هذا العدد الكبير من السجناء السياسيين يعكس مدى القمع السياسي الذي تشهده البلاد، ويؤثر بشكل كبير على المشهد السياسي والانتخابي.
مقاطعة واسعة النطاق وانتقادات دولية
رفضت العديد من الأحزاب السياسية الرئيسية، بما في ذلك الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية التي كانت بقيادة أونغ سان سو تشي، المشاركة في هذه الانتخابات. وقد اتهمت هذه الأحزاب المجلس العسكري بتزوير الانتخابات وتقويض العملية الديمقراطية. كما دعت جماعات المعارضة إلى مقاطعة التصويت بشكل كامل.
لقد أثارت هذه الانتخابات انتقادات واسعة النطاق من قبل ناشطين ودبلوماسيين غربيين ومفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان. وقد عبر هؤلاء المنتقدون عن قلقهم بشأن اللوائح الانتخابية التي تمنح الأفضلية لحلفاء الجيش، بالإضافة إلى القمع العنيف للمعارضة.
من المتوقع أن يحصل حزب الاتحاد للتضامن والتنمية، وهو حزب مؤيد للجيش، على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان. ويرى العديد من المراقبين أن هذا الحزب يمثل واجهة جديدة للحكم العسكري، وأن الانتخابات تهدف إلى إضفاء الشرعية على سلطة الجيش.
أونغ سان سو تشي، الزعيمة البورمية المخلوعة، لن تشارك في هذه الانتخابات حيث تقضي حاليًا حكماً بالسجن لمدة 27 عامًا بتهم تعتبرها على نطاق واسع ذات دوافع سياسية. تم حل حزبها، الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، في عام 2023 بعد رفضه التسجيل وفقًا لقواعد عسكرية جديدة. هذا الاستبعاد يمثل ضربة قوية للحركة الديمقراطية في ميانمار.
تعتبر الأزمة السياسية في ميانمار من القضايا الهامة التي تؤثر على الاستقرار الإقليمي. وتشمل التحديات الرئيسية التي تواجه البلاد، الصراع العرقي، والعنف السياسي، والوضع الاقتصادي الصعب. بالإضافة إلى ذلك، فإن قضية حقوق الإنسان تمثل مصدر قلق بالغ للمجتمع الدولي.
تتجه الأنظار الآن نحو المراحل المتبقية من الانتخابات، والتي من المقرر أن تجرى في وقت لاحق. من غير الواضح ما إذا كانت هذه الانتخابات ستؤدي إلى أي تغيير حقيقي في الوضع السياسي في ميانمار، أو ما إذا كانت ستكون مجرد محاولة لترسيخ سلطة الجيش. سيكون من المهم مراقبة ردود الفعل المحلية والدولية على نتائج الانتخابات، وكذلك تطورات الوضع الأمني والسياسي في البلاد.
من بين القضايا التي يجب متابعتها عن كثب، مستقبل حركة المقاومة المسلحة، وإمكانية حدوث حوار بين الجيش والمعارضة، وتأثير العقوبات الدولية على الاقتصاد البورمي. كما سيكون من المهم تقييم مدى التزام المجلس العسكري بالنتائج الانتخابية، وما إذا كان سيسمح بوجود معارضة حقيقية في البرلمان.






