أنهى البابا ليو الـ14 زيارته الرسمية لتركيا، والتي استمرت عدة أيام، حيث دعا إلى تعزيز دور أنقرة كقوة للسلام والاستقرار في المنطقة والعالم. وتأتي هذه الزيارة في ظل تحديات جيوسياسية متزايدة، وتسعى إلى إيجاد أرضية مشتركة للحوار بين الثقافات والأديان المختلفة. وقد ركزت مباحثات البابا مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على قضايا إقليمية ودولية، بما في ذلك الوضع في فلسطين وأوكرانيا.
بدأت الزيارة بتأكيد البابا على أهمية التنوع الديني والثقافي في تركيا، مشدداً على أن البلاد تمثل “جسرًا طبيعيًا بين الشرق والغرب”. كما ناقش مع المسؤولين الأتراك سبل تعزيز التعاون في مكافحة التطرف والإرهاب، بالإضافة إلى دعم جهود السلام والأمن في المنطقة. وتعد هذه الزيارة الخارجية الأولى للبابا ليو الـ14 منذ توليه منصبه في مايو الماضي.
أهمية زيارة البابا لتركيا في ظل التوترات العالمية
تأتي زيارة البابا ليو الـ14 لتركيا في وقت حرج يشهد فيه العالم صراعات وتوترات متزايدة، خاصة في مناطق مثل فلسطين وأوكرانيا. وقد أعرب البابا عن قلقه العميق إزاء هذه الصراعات، ودعا إلى حلول سلمية تحترم حقوق جميع الأطراف. وتعتبر تركيا، بموقعها الاستراتيجي وتأثيرها الإقليمي، لاعباً رئيسياً في جهود تحقيق السلام والاستقرار.
أشاد الرئيس أردوغان بموقف البابا الداعم للقضية الفلسطينية، مؤكداً على أهمية التنفيذ الفوري لرؤية حل الدولتين على أساس حدود عام 1967. كما أكد على ضرورة الحفاظ على الوضع التاريخي للقدس، معتبراً أن ذلك أساس لتحقيق العدالة والسلام في المنطقة. الزيارة البابوية تهدف إلى تعزيز هذا الحوار البناء.
مباحثات ثنائية تركز على قضايا إقليمية ودولية
ترأس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والبابا ليو الـ14 اجتماعاً ثنائياً في المجمع الرئاسي بأنقرة، أعقبه لقاء موسع على مستوى الوفود. تناولت المباحثات مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك العلاقات الثنائية بين تركيا والفاتيكان، والوضع في الشرق الأوسط، والأزمة الأوكرانية، ومكافحة الإرهاب والتطرف. العلاقات التركية الفاتيكانية تشهد تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة.
كما ناقش الطرفان أهمية حماية الأقليات الدينية في تركيا، وتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات المختلفة. وأكد البابا على أن التنوع الديني والثقافي يمثل ثروة حقيقية يجب الحفاظ عليها وتعزيزها. وتعد تركيا موطناً لمجتمعات دينية متنوعة، بما في ذلك المسلمين والمسيحيين واليهود.
رسالة البابا حول التعددية وكرامة الإنسان
شدد البابا ليو الـ14 في خطابه أمام المسؤولين الأتراك على أهمية التعددية في المجتمع، محذراً من “طغيان اللون الواحد” الذي قد يؤدي إلى إفقار التنوع. وأكد على أن المجتمع لا يحيا إلا بالتعددية والاحترام المتبادل بين جميع أفراده. التعددية الثقافية هي أساس المجتمعات الصحية والمزدهرة.
ودعا البابا إلى احترام كرامة جميع السكان، بمن فيهم النساء والأجانب والفئات الفقيرة. وأكد على أن كل إنسان يستحق الاحترام والتقدير، بغض النظر عن خلفيته أو معتقداته. وتتماشى هذه الرسالة مع القيم الإنسانية المشتركة التي تدعو إليها جميع الأديان والثقافات.
تأتي هذه الزيارة في سياق جهود البابا لتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات المختلفة، وبناء جسور من التفاهم والتعاون بين الشعوب. وتعتبر تركيا، بموقعها الجغرافي وتاريخها الغني، مكاناً مثالياً لإطلاق هذه المبادرات. الحوار بين الأديان يمثل أولوية قصوى للبابا ليو الـ14.
وكان البابا قد بدأ زيارته بزيارة ضريح مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية الحديثة، في إشارة إلى احترامه لتاريخ تركيا وثقافتها. كما زار عدداً من المواقع الدينية والثقافية في أنقرة وإسطنبول، والتقى بممثلي مختلف المجتمعات الدينية في تركيا.
تعد هذه الزيارة البابوية الخامسة من نوعها لتركيا، بعد زيارات سابقة قام بها الباباوات بولس السادس (1967)، ويوحنا بولس الثاني (1979)، وبنديكت الـ16 (2006)، وفرانسيسكو (2014). وتؤكد هذه الزيارات على أهمية العلاقات بين الفاتيكان وتركيا، ودور تركيا في تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.
من المتوقع أن يصدر الفاتيكان بياناً تفصيلياً حول نتائج الزيارة البابوية في الأيام القادمة. وسيتابع المراقبون عن كثب تأثير هذه الزيارة على العلاقات الثنائية بين تركيا والفاتيكان، وعلى جهود السلام والاستقرار في المنطقة. يبقى التحدي الأكبر هو ترجمة هذه المبادرات إلى خطوات عملية ملموسة على أرض الواقع، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة.






