تراجع الاتحاد الأوروبي عن خطة جريئة لتمويل أوكرانيا من خلال الأصول الروسية المجمدة، واختار بدلاً من ذلك إصدار ديون مشتركة. فشلت محاولة استخدام عائدات الأصول الروسية المجمدة كقرض لتعويضات لصالح أوكرانيا، بعد أن أبدت العديد من الدول الأعضاء تحفظاتها، مفضلةً الخيار التقليدي للديون المشتركة. وقد أقر قادة الاتحاد الأوروبي بأن هذا المسار يوفر “اليقين” اللازم، على حد تعبير رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي فيفر، المعارض الرئيسي للخطة الأصلية.

الآن، سيسعى الاتحاد الأوروبي إلى جمع 90 مليار يورو من الأسواق لتقديم الدعم المالي لأوكرانيا، دون المساس بالأصول الروسية البالغة 210 مليار يورو، والتي ستبقى مجمدة حتى توقف موسكو حربها وتدفع تعويضات لكييف. هذا القرار يغلق الباب أمام “قرض التعويضات” الذي اقترحته المفوضية الأوروبية، والذي اعتبره البعض مبتكراً، بينما رآه آخرون محفوفاً بالمخاطر.

فشل خطة “الأصول الروسية المجمدة” كمصدر للتمويل

تعود جذور هذه الخطة إلى شهر سبتمبر الماضي، عندما قدمت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين اقتراحاً باستخدام الأرصدة النقدية من الأصول الروسية المجمدة داخل الاتحاد الأوروبي لإصدار قرض لدعم أوكرانيا. لم تقدم فون دير لاين تفاصيل كاملة في ذلك الوقت، لكنها أكدت أن “روسيا هي من يجب أن تدفع ثمن الحرب، وليس دافعي الضرائب الأوروبيين وحدهم.”

لكن دفعة قوية غير متوقعة جاءت من المستشار الألماني فريدريش ميرز، الذي نشر مقالاً في صحيفة “فاينانشيال تايمز” بعد أيام قليلة، أيد فيه المشروع بقوة، معتبراً إياه أمراً مفروغاً منه على الرغم من عدم وجود سابقة له. ودعا ميرز إلى اتخاذ القرار بالإجماع، أو بـ “أغلبية كبيرة” من الدول الأعضاء الملتزمة بدعم أوكرانيا.

أثار مقال ميرز دهشة الدبلوماسيين والموظفين، حيث اعتبره البعض استغلالاً من قبل ألمانيا لمكانتها كأكبر دولة عضو في الاتحاد الأوروبي لتحديد جدول الأعمال للكتلة بأكملها. بعد ذلك، قدمت المفوضية وثيقة موجزة من صفحتين تشرح، من الناحية النظرية، كيفية عمل هذه المبادرة.

معارضة بلجيكا القوية

أثار هذا الاقتراح رد فعل عنيفاً من بلجيكا، التي تحتفظ بأكبر حصة من الأصول الروسية، وتقدر بحوالي 185 مليار يورو، في شركة Euroclear لإيداع الأوراق المالية المركزية. شعرت بلجيكا بأنه كان يجب استشارتها بشكل كافٍ قبل تداول اقتراح المفوضية.

في أكتوبر، عبّر رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي فيفر عن معارضته الشديدة للخطة خلال مؤتمر صحفي في كوبنهاغن، بحجة أنها ستجرّد الاتحاد الأوروبي من أقوى ورقة ضغط لديه ضد الكرملين. وقال دي فيفر: “إذا أكلت الدجاجة، فسوف تفقد البيض الذهبي. يجب أن تؤخذ هذه النقطة في الاعتبار.”

وشدد دي فيفر على مطالب بلاده المتعلقة بالخطة، بما في ذلك ضمانات قانونية قوية، ومشاركة جميع الدول الأعضاء التي تحتفظ بأصول روسية في تحمل المخاطر، وتقاسم الأعباء بشكل عادل. وقد عرقل اقتراح “الأصول الروسية المجمدة” خلال قمة في منتصف أكتوبر، مما اضطر قادة الاتحاد الأوروبي إلى تكليف المفوضية بصياغة “خيارات” متعددة لتلبية الاحتياجات المالية والعسكرية لأوكرانيا في عامي 2026 و2027.

تصاعد الخلافات وتراجع الدعم

على الرغم من ذلك، بدت فون دير لاين مصممة على المضي قدمًا في خطتها، واعتبرت تكليف المفوضية بمراجعة الخيارات تأكيداً ضمنياً على فكرتها. لكن دولاً أخرى أبدت تحفظاتها، حيث أعلنت دول الشمال (الدنمارك وفنلندا والسويد) علناً رفضها إصدار ديون مشتركة لدعم أوكرانيا.

وفي نوفمبر، تصاعد الخلاف بعد أن أرسلت فون دير لاين رسالة إلى القادة الأوروبيين تعرض ثلاثة خيارات لجمع 90 مليار يورو لأوكرانيا: مساهمات ثنائية طوعية، وديون مشتركة، وقرض التعويضات. أقرّت فون دير لاين بأن كل خيار له “تداعيات كبيرة”.

تضمنت الرسالة محاولة لتخفيف المخاوف البلجيكية، من خلال تقديم “ضمانات ملزمة قانوناً وغير مشروطة وقابلة للتنفيذ” وتأمين مشاركة جميع دول الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع التي تحتفظ بأصول روسية. كما اعترفت الرسالة بمخاطر محتملة، مثل الإضرار بسمعة منطقة اليورو وتقويض استقرارها المالي.

لكن رئيس الوزراء البلجيكي دي فيفر ردّ برسالة قوية إلى فون دير لاين، وصف فيها اقتراحها بأنه “خاطئ بشكل أساسي” ومليء بـ “أخطار متعددة”. وحذر من أن هذا القرض قد يعيق التوصل إلى حل سلمي للحرب.

الانهيار واتجاه الديون المشتركة

في ديسمبر، كشفت فون دير لاين عن النصوص القانونية المقترحة للقرض، بالتزامن مع رفض البنك المركزي الأوروبي تقديم “شبكة أمان للسيولة” لدعم الخطة. أثارت هذه النصوص، التي اعتبرها الدبلوماسيون معقدة للغاية، مزيداً من القلق، خاصة فيما يتعلق بإمكانية هروب المستثمرين الأجانب من منطقة اليورو.

وأعربت دول مثل إستونيا وفنلندا وأيرلندا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا والسويد عن دعمها للخطة. ومع ذلك، انضمت إيطاليا وبلغاريا ومالطا إلى بلجيكا في المطالبة باستكشاف “حلول بديلة” لتمويل أوكرانيا، تتميز بـ “معايير قابلة للتنبؤ” و”مخاطر أقل”.

أدى هذا الوضع إلى قمة حاسمة في 18 ديسمبر، حيث حاول المسؤولون التوصل إلى حلول مختلفة معالجة مخاوف بلجيكا وإزالة العقبات أمام القرض. لكن في النهاية، تفاقمت الأمور، وكشفت عن حجم الالتزامات المطلوبة من الحكومات.

وبعد مداولات مطولة، قرر القادة البلجيكيون التخلي عن خطة “الأصول الروسية المجمدة” والاتجاه نحو إصدار ديون مشتركة لتمويل أوكرانيا. وعلق دي فيفر على ذلك قائلاً إنه “يعلم مسبقاً” أن الحماس للقرض لم يكن كبيراً كما يبدو، وأن فون دير لاين قد “تم تضليلها” من قبل ألمانيا ودول الشمال والبلطيق. وأضاف: “لا يوجد مال مجاني في هذا العالم.”

من المتوقع أن يبدأ الاتحاد الأوروبي في التخطيط لإصدار هذه الديون المشتركة في الأشهر القادمة، مع التركيز على تحقيق التوازن بين الدعم المالي لأوكرانيا والحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي للاتحاد. يبقى أن نرى كيف ستتحرك الأسواق، وما إذا كانت هناك أي تحديات قانونية أو سياسية إضافية ستظهر في المستقبل.

شاركها.