انكسر الهدوء الصيفي لوول ستريت مع موجة بيع في أسهم التكنولوجيا الكبرى دفعت المؤشرات الرئيسة إلى التراجع، لتكشف عن اعتماد السوق الأميركية بشكل ضيق على عدد قليل من شركات النمو العملاقة.

انخفض مؤشر “ناسداك 100” بنسبة 1.4% في ثاني أسوأ تراجع له منذ صدمة الرسوم في أبريل، بقيادة انهيار في أسهم “إنفيديا”. هذا الضغط طغى على مكاسب أكثر من 350 سهماً في “إس آند بي 500″، كاشفاً هشاشة المؤشر المدعوم من أسهم الشركات العملاقة.

رفعت نتائج “هوم ديبوت” أسهم متاجر التجزئة الكبرى، فيما قفزت أسهم “إنتل” مع سعي الحكومة الأميركية لوضع اللمسات الأخيرة على صفقة للاستحواذ على حصة 10% في الشركة.

ارتفعت السندات الأميركية قبيل خطاب جيروم باول في جاكسون هول يوم الجمعة، مع ترسيخ المتداولين رهاناتهم على خفض أسعار الفائدة في سبتمبر. وتراجعت عوائد السندات لأجل عشر سنوات ثلاث نقاط أساس إلى 4.30%.

وقالت “إس آند بي غلوبال للتصنيفات” إن الإيرادات من الرسوم الجمركية ستساعد في تخفيف أثر خفض الضرائب على الوضع المالي الأميركي، ما يمكّنها من الحفاظ على تصنيفها الائتماني. عالم العملات المشفرة انضم إلى موجة التراجع في الأصول عالية المخاطر.

مخاوف من فقاعة في أسهم التكنولوجيا

بحسب كريس مونتاغو من “سيتي غروب”، فإن التموضع في أسواق الأسهم الأميركية يبقى عند مستويات مرتفعة بعد موسم نتائج قوي. أما سكوت روبنر في “سيتاديل سيكيوريتيز”، فيتوقع أن يبطئ المستثمرون الأفراد وتيرة شرائهم المحمومة للأسهم في سبتمبر قبل أن يستأنفوا لاحقاً هذا العام.

وقال نيكولاس بونسّاك من “ستراتيغاس”: “يكون الأمر سهلاً دوماً حين ترتفع الأسواق، ومن ولكن من الصعب تاستغلال التوقعات الصعودية. المسار الأقل مقاومة على الأرجح يبقى صعودياً، لكننا نشعر بقلق متزايد من أن الأصول التقليدية (الأسهم والسندات) تبدو مسعّرة بشكل كامل”.

بعض المتعاملين في خيارات الأسهم، القلقين من ضعف أسهم التكنولوجيا بعد صعود حاد، سارعوا لحماية أنفسهم عبر عقود “الانهيار الكارثي” على صندوق “QQQ”، بحسب جيف جاكوبسون في “22 في ريسيرتش”. ويبلغ مقياس الفارق بين تكلفة التحوط من هبوط حاد مقارنة بهبوط أقل، أعلى مستوى في نحو ثلاث سنوات.

في وقت سابق من الشهر، قال مايكل هارتنت من “بنك أوف أميركا” إن الارتفاع في أسهم “العظماء السبعة” (أبل، إنفيديا، أمازون، تسلا، ميتا، مايكروسوفت، ألفابت) التي دفعت الأسهم بنحو 40% منذ أبريل، يبدو مبالغاً فيه. وحذّر مراراً من مخاطر فقاعة في الأسهم الأميركية هذا العام.

وقال تورستن سلوك من “أبولو”: “الذكاء الاصطناعي سيكون له أثر كبير على حياتنا وإنتاجيتنا. لكن هذا لا يعني أن أسهم شركات التكنولوجيا في إس آند بي 500 مسعّرة بشكل صحيح. نسبة السعر إلى الربحية في تسلا تقارب 200، وفي إنفيديا نحو 60. كثير من شركات البرمجيات قد تخرج من السوق بسبب تشات جي بي تي”. ورأى أن الوضع الحالي يشبه بشكل مدهش فقاعة التكنولوجيا في تسعينيات القرن الماضي.

انتظار لخطاب باول وقرارات الفائدة

قطاع التكنولوجيا استعاد موقعه كأفضل أداء في “إس آند بي 500” خلال الربع الماضي، ما ساعد المؤشرات على بلوغ مستويات قياسية. لكن بريت كينويل من “إي تورو” يرى أن التقييمات وإن بدت مرتفعة، إلا أن توقعات النمو القوية تساعد على تبريرها، فيما يمكن لحماسة الذكاء الاصطناعي والزخم أن تبقي أسهم التكنولوجيا في موقع القيادة.

وقال: “سواء استمر تدفق الأموال إلى قادة (العظماء السبعة) أو دار داخل المجموعة، فمن المرجح أن يبحث المستثمرون عن استمرار ريادة أسهم التكنولوجيا في النصف الثاني من 2025”.

المتداولون يستعدون أيضاً لخطاب باول يوم الجمعة في جاكسون هول، حيث ترى سوق السندات أن خفض الفائدة في سبتمبر شبه محسوم، مع خفض إضافي واحد على الأقل قبل نهاية العام.

وقال إيان لينغن من “بي إم أو كابيتال ماركتس”: “الخطر الأكبر على سوق السندات هو إذا اختار باول إطفاء الحماسة تجاه خفض الفائدة المرتقب في سبتمبر”. ورأى أن الجزء القصير من منحنى العوائد عرضة لتصحيح إذا لم يقدّم باول القدر من التيسير المتوقع.

انقسام حول قراءة بيانات التضخم

ينتظر المستثمرون ليروا إن كان باول سيؤكد تسعير السوق، أو سيرد بالتذكير بأن بيانات جديدة قبل اجتماع السياسة النقدية المقبل قد تغيّر الصورة. كما يبحثون عن إشارات حول المسار طويل المدى للفائدة في العام المقبل.

وقال ستيفن شوارتز من “بايونير فاينانشال”: “السوق تسعّر خفض الفائدة في سبتمبر باعتباره شبه يقين، ونحن نتفق مع هذه التوقعات. التخفيض مبرَّر لأن الأوضاع المالية مشددة أكثر مما يجب حالياً في ظل تباطؤ بيانات التضخم، والصدوع التي بدأت تظهر في سوق العمل”.

قبل أسابيع قليلة، كشف تقرير الوظائف الأخير عن تباطؤ في التوظيف، ما بدا أنه يغلق الباب أمام أي شكوك بشأن الخفض. لكن بعد ذلك جاء أكبر ارتفاع في أسعار الجملة الأميركية خلال ثلاث سنوات، والتي غذت المخاوف من تضخم يقوده أثر الرسوم الجمركية. ورغم تباين البيانات الأخيرة للتضخم، يرى شوارتز أن هناك تصوراً سائداً بأن موجة التضخم التي بدأت في 2022 أصبحت خلفنا.

وقال: “بينما نتوقع بعض التقلبات على المدى القصير، نعتقد أن الأسواق ستواصل تجاوز مسألة التضخم، وأن الاقتصاد والمستهلك الأميركي قويان بما يكفي للاستمرار في النمو”.

ترمب يسعى إلى تقريب وجهات النظر بين بوتين وزيلينسكي

في “بنك أوف أميركا”، توقع مارك كابانا وميغان سوبر أن باول لا يبدو متساهلاً بالقدر الذي تأمله الأسواق. وقالا: “تفاعل باول مع البيانات الأخيرة التي تجمع بين ضعف النمو والتضخم سيكون محورياً. هل سيتأثر بمراجعات الوظائف أم سيركز على تباطؤ عرض العمالة؟”.

وفي مقابلة مع “بلومبرغ”، تهرّبت عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي ميشيل بومان عندما سُئلت عما إذا كانت مهتمة بتولي رئاسة البنك المركزي.

وعلى الصعيد الجيوسياسي، حثّ الرئيس دونالد ترمب نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي على إبداء بعض “المرونة”، مع تسريع جهوده لإنهاء الحرب في أوكرانيا وتشجيع القادة على عقد قمة ثنائية.

وقال فؤاد رزق زادة من “سيتي إندكس وفوركس دوت كوم”: “رغم أن هناك شعوراً بأن طريق السلام بات أوضح قليلاً، لا يزال المتداولون حذرين، وهذا محق، فالمحادثات الأصعب المتعلقة بتبادل الأراضي، لم تبدأ بعد”.

شاركها.