غزة – دمرت القوات الإسرائيلية بشكل ممنهج البنية التحتية الحيوية لإدارة النفايات الطبية في قطاع غزة منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023، مما أدى إلى أزمة صحية وبيئية متفاقمة. وقد أخرجت المكبات المتخصصة في منطقتي الفخاري شرق خان يونس وجحر الديك في الشمال عن الخدمة، مما يعرض السكان لمخاطر جسيمة.
قبل الحرب، كانت المنظمات الدولية والمؤسسات الفلسطينية الرسمية قد أنشأت مكبات متطورة مجهزة بأجهزة متخصصة للتعامل مع النفايات الطبية وفقًا للمعايير العالمية. ومع ذلك، استهدفت القوات الإسرائيلية هذه المرافق، مما أوقف عمليات المعالجة الآمنة وأدى إلى تراكم النفايات، وزيادة خطر انتشار الأمراض.
الوضع الكارثي للنفايات الطبية في غزة
تعرف وكالة حماية البيئة الأمريكية النفايات الطبية بأنها مواد ناتجة عن المرافق الصحية، بما في ذلك المستشفيات والمختبرات ومراكز الأبحاث. وتتكون هذه النفايات من مجموعة متنوعة من المواد، مثل الأدوات الحادة، وسوائل الجسم، والأدوية منتهية الصلاحية، والمواد المشعة.
وفقًا لبيانات وزارة الصحة بغزة، كانت المستشفيات والعيادات في القطاع تنتج حوالي 1667 كيلوغرامًا من النفايات الطبية يوميًا قبل الحرب. ومع الزيادة الهائلة في عدد الإصابات والوفيات، تضاعفت هذه الكميات بشكل كبير، مما فاق قدرة الأنظمة المحدودة لإدارة النفايات.
تدمير البنية التحتية
أكد سعيد العكلوك، رئيس قسم صحة البيئة في وزارة الصحة بغزة، أن القوات الإسرائيلية دمرت عمدًا أجهزة معالجة النفايات الطبية، بما في ذلك أجهزة الميكروويف المستخدمة لتعقيم النفايات قبل طمرها. يؤدي تدمير هذه الأجهزة إلى عدم القدرة على معالجة النفايات بشكل آمن، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لصحة السكان والبيئة.
وأضاف العكلوك أن الحرب أوقفت أيضًا عمليات جمع ونقل النفايات، مما أدى إلى تراكمها في المستشفيات والمراكز الصحية. كما أدى ذلك إلى تعطيل نظام الفرز المتكامل الذي كان قائمًا قبل الحرب، والذي كان يضمن فصل النفايات الطبية عن النفايات العادية.
المخاطر الصحية والبيئية
يشير الخبراء إلى أن تراكم النفايات الطبية يمكن أن يؤدي إلى انتشار الأمراض المعدية، وتلوث المياه والتربة، وتدهور الصحة العامة. كما أن النفايات الطبية تشكل خطرًا على العاملين في مجال الرعاية الصحية والنباشين الذين يتعرضون لها بشكل مباشر.
وأوضح الدكتور أنور الغرة، المدير الطبي لمستشفى القدس التابع لجمعية الهلال الأحمر، أن المستشفى اضطر إلى حرق النفايات الطبية في ساحة خلفية بسبب عدم وجود مرافق مناسبة للتخلص منها. هذه الممارسة غير الآمنة تطلق مواد كيميائية ضارة في الهواء، مما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض التنفسية.
الجهود المبذولة والقيود المفروضة
تعمل وزارة الصحة بغزة، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، على إيجاد حلول مؤقتة لإدارة النفايات الطبية. وتشمل هذه الحلول طمر النفايات في خلايا مخصصة وتوفير أكياس خاصة لفرزها.
ومع ذلك، فإن هذه الحلول مؤقتة وغير كافية للتعامل مع الكميات المتزايدة من النفايات. كما أن إدخال المعدات والمستلزمات اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية المتضررة يواجه صعوبات كبيرة بسبب القيود المفروضة من قبل السلطات الإسرائيلية.
وأشار المهندس طارق الهباش، المدير التنفيذي لمجلس الخدمات المشترك لإدارة النفايات الصلبة، إلى أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد قدم دعمًا مهمًا من خلال شراء جهاز معالجة واحد يعمل بتقنية الميكروويف ومركبتين متخصصتين لجمع ونقل النفايات الطبية. لكن دخول هذه المعدات إلى غزة لا يزال معلقًا.
تحديات مستقبلية
يشير الخبراء إلى أن إعادة بناء نظام إدارة النفايات الطبية في غزة ستتطلب جهودًا كبيرة ودعمًا دوليًا. كما أنها ستتطلب رفع القيود المفروضة على إدخال المعدات والمستلزمات اللازمة، وتسهيل الوصول إلى المكبات الصحية المعتمدة.
ومن المتوقع أن تبدأ خطة لتقديم أجهزة مايكروويف ومحارق جديدة في بداية عام 2026، بعد الانتهاء من دراسة شاملة لتقييم الأضرار والاحتياجات. ومع ذلك، لا تزال هناك حالة من عدم اليقين بشأن مدى نجاح هذه الخطة في ظل الظروف الحالية.
في الختام، يمثل تدمير البنية التحتية لإدارة النفايات الطبية في غزة تحديًا كبيرًا للصحة العامة والبيئة. ويتطلب حل هذه المشكلة جهودًا متضافرة من جميع الأطراف المعنية، بالإضافة إلى دعم دولي مستمر لضمان التخلص الآمن من هذه النفايات وتقليل المخاطر المرتبطة بها.






