تسعى مصافي النفط في آسيا للحصول على خامات من مصادر بعيدة عن مورديها التقليديين في الشرق الأوسط، غير أن هذه الاستراتيجية الأكثر تنوعاً لم تُحدث أي تأثير يُذكر في سوق تستعد لوفرة المعروض. تستورد هذه المنطقة، التي تمثل حوالي 40% من استهلاك النفط العالمي، غالبية احتياجاتها من منطقة الخليج العربي.
لكن النهج المتقلب الذي يتبعه الرئيس دونالد ترمب في التجارة والسياسة الخارجية، بما في ذلك استهداف تدفقات النفط الروسية فجأة، أجبر المصافي على الاستعجال في شراء شحنات من الولايات المتحدة والبرازيل ونيجيريا.
كان من المتوقع أن تدعم هذه الموجة مشتريات الخامات الخفيفة منخفضة الكبريت، التي تلعب دوراً محورياً في تحديد سعر خام برنت، المؤشر العالمي، كما كان من المفترض أن تعزز فروق الأسعار بين الفوارق الزمنية، وهي مؤشرات دقيقة تُراقب عن كثب لقياس أداء السوق. ومع ذلك، لم يحدث ذلك.
انخفاض علاوة برنت عن نفط دبي
بدلاً من ذلك، انخفضت علاوة سعر خام برنت مقارنة بخام دبي، المؤشر القياسي للشرق الأوسط، إلى أدنى مستوى منذ أبريل. ويرجع ذلك جزئياً إلى توقع المتداولين بأن السوق ستشهد فائضاً من النفط خلال الأشهر المقبلة، مع توافر كميات إضافية من الخام من داخل وخارج تحالف “أوبك+”.
قال جاري روس، مستشار نفطي مخضرم، تحول إلى مدير صندوق تحوط في شركة “بلاك غولد إنفستورز” (Black Gold Investors): “نقترب من مرحلة فائض المعروض. يتحدث الناس عن هذا منذ فترة طويلة، الجميع يتوقعون تراجعاً في موازين العرض والطلب للربع الرابع. نحن نقترب من مرحلة حرجة”.
الوفرة المتوقعة في الربع المقبل تعود أساساً إلى إعادة “أوبك+” هذا العام ضخ الكثير من الإمدادات التي كانت خارج السوق خلال جائحة كوفيد-19، بالإضافة إلى زيادة الإنتاج من منتجين خارج التحالف مثل الولايات المتحدة والبرازيل وغيانا.
نمو الإنتاج العالمي أعلى من الطلب
ترى “أويل إكس” (OilX) التابعة لشركة “إنرجي أسبكتس” (Energy Aspects) التي تقدم استشارات لصناعة النفط، أن متوسط الإنتاج العالمي حتى الآن هذا العام أعلى بمقدار 1.4 مليون برميل يومياً مقارنة بنفس الفترة في 2024. وهو أكثر من ضعف تقديرات وكالة الطاقة الدولية الأخيرة لنمو الطلب على النفط للعام بأكمله.
قال ألدو سبانجر، رئيس استراتيجية الطاقة في بنك “بي إن بي باريبا”: “يبدو أن الربع الرابع من هذا العام والربع الأول من العام المقبل على وجه الخصوص سيشهدان أداءً ضعيفاً بلا شك”.
كما أن السياسة الخارجية والتجارية التي يطبقها ترمب، وتتسم بالضغط القوي والمفاجئ، تعيد توجيه تدفقات النفط وتزيد من حالة عدم اليقين والتقلب في الأسواق.
مشتريات استثنائية للهند
اشترت المصافي الهندية هذا الشهر نحو 20 مليون برميل من النفط في السوق الفورية، وهو مستوى مرتفع بشكل غير معتاد، لتجنب الإمدادات الروسية، وفق حسابات “بلومبرغ”. ورغم أن المصافي الهندية عادت مؤخراً لشراء الخام من روسيا، إلا أن مدى استمرار هذا الأمر غير واضح.
اقرأ أيضاً : مصافي الهند الحكومية تعود لشراء النفط الروسي بعد توقف قصير
توضح دلائل أن ضغوط ترمب على الدول لتقليص فوائضها التجارية مع الولايات المتحدة بدأت تؤتي ثمارها.
وافقت مصفاة في باكستان في أواخر يوليو على شراء أول شحنة من النفط الأميركي، فيما قالت شركة “إيديميتسو كوسان” (Idemitsu Kosan) اليابانية في وقت سابق من الشهر الجاري إنها اشترت كمية صغيرة من الخام الأميركي نتيجة ضغوط الرسوم الجمركية.
النفط الأميركي يدخل أسواق آسيا
قالت جين جو، كبيرة محللي سوق النفط في شركة “سبارتا كوموديتيس” (Sparta Commodities): “الفارق الضيق جداً بين سعر خام برنت وخام دبي يمكّن النفط الأميركي ونفط غرب أفريقيا من التدفق إلى آسيا بشكل تنافسي”. وأضافت: “خام غرب تكساس الوسيط يُسعَّر بشكل رخيص للغاية في آسيا، مما يفتح أسواقاً جديدة في باكستان وفيتنام”.
لقد أدى الطلب المتزايد على النفط الأميركي إلى ارتفاع الأسعار عند ساحل الخليج الأميركي، حيث تُصدّر البراميل، لكنه لم يسهم بشكل يُذكر في دعم المؤشرات المحلية على نطاق أوسع.
تقترب فروق الأسعار بين العقدين المتتاليين لخام غرب تكساس الوسيط من أدنى مستوياتها منذ مايو، في حين ارتفعت المخزونات في مركز التخزين بكوشينغ، أوكلاهوما، للأسبوع السابع على التوالي.
كما تواجه السوق توقعات طلب قاتمة وغير مؤكدة. ولا يزال من غير الواضح إلى أي مدى ستؤثر موجة الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب على النمو الاقتصادي العالمي، في ظل استمرار تحول العالم بعيداً عن الوقود الأحفوري لا سيما في الصين.
اقرأ أيضاً: مع دخول الرسوم حيز التنفيذ.. ماذا تحقق من أحلام ترمب الجمركية على أرض الواقع؟
نمو الطلب العالمي على النفط أقل من 2023
قالت وكالة الطاقة الدولية إن الطلب العالمي على النفط هذا العام والعام المقبل سينمو بوتيرة تقل عن نصف الوتيرة التي شهدها في 2023.
في أوروبا، يعني الإغلاق المستمر للمصافي -بما في ذلك اثنتان من أصل ست مصافٍ في المملكة المتحدة- خلال الأشهر الأخيرة أن معالجة الخام في المنطقة ستنخفض هذا العام، وفق بيانات وكالة الطاقة الدولية.
ومن المتوقع أن تؤدي أعمال صيانة المصافي في الولايات المتحدة وأوروبا أيضاً إلى تراجع الطلب على التكرير.
اقرأ أيضاً: وكالة الطاقة الدولية تتوقع فائضاً كبيراً في سوق النفط هذا العقد
البنوك الكبرى متشائمة إزاء النفط
تتبنى البنوك الكبرى موقفاً متشائماً بشكل عام تجاه النفط، إذ يتوقع “غولدمان ساكس” انخفاض سعر خام برنت قليلاً إلى نحو 65 دولاراً للبرميل بحلول نهاية العام، غير أن المؤشرات الحالية توحي بأن الأسعار قد تنخفض أكثر من المتوقع.
قال سبانجر من بنك “بي إن بي باريبا: “أعتقد أن السوق تنتظر اللحظة المناسبة” لتبني موقف هبوطي تجاه خام برنت وغرب تكساس الوسيط. مع ذلك، من المتوقع أن يتباطأ نمو المعروض في النصف الثاني من 2026، و”من المفترض أن تتحسن الأمور اعتباراً من تلك الفترة”، حسب قوله.