فتحت الطائرات الأوكرانية المسيّرة جبهة جديدة في الحرب مع روسيا وهي سوق النفط. لقد أثّرت ضربات الطائرات المسيّرة، من مصافي النفط بالقرب من سانت بطرسبرغ إلى جبال الأورال، سلباً على الإنتاج وقلّلت إمدادات الوقود في جميع أنحاء روسيا.
تراهن كييف على أن الاستنزاف الاقتصادي يمكن أن يحقق ما لا يمكن للقتال في ساحة المعركة أن يفعله، وذلك بإجبار موسكو على القدوم إلى طاولة المفاوضات.
نتوقع أن تستمر الضربات على مراكز الطاقة، لكن سيتم ضبطها بعناية لاستنزاف اقتصاد روسيا وآلتها الحربية، مع الحد من التداعيات على حلفاء أوكرانيا الأوروبيين وأسواق الطاقة الدولية. حتى الآن، يبدو أن هذه الاستراتيجية ناجحة، فقد كان تأثيرها على سوق النفط العالمية ضئيلاً.
استراتيجية كييف لفرض التكاليف
يتماشى توقيت الحملة الأوكرانية مع الجهود الدولية التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترمب للتوسط في اتفاق سلام. نظراً لعدم قدرة أوكرانيا على الفوز ضد القوات الروسية الأكبر عديداً والأفضل تسليحاً في ساحة المعركة، فقد تبنت نهجاً غير متكافئ لتذكير موسكو والوسطاء الدوليين بأن لديها قدرة كبيرة.
برغم تحديات ساحة المعركة، أظهرت كييف أنها لا تزال قادرة على إلحاق الأذى بموسكو من خلال هجمات تهدف إلى تعطيل الاستقرار الاقتصادي لروسيا وقدرتها على شن الحرب.
هجوم مسيّرات أوكراني يشعل ناقلة نفط روسية في البحر الأسود
وفقاً لحساباتنا أصابت الضربات الأوكرانية بعيدة المدى مصافي النفط والغاز الروسية 40 مرة من أغسطس إلى أكتوبر 2025. وقد أصابت هذه الضربات 21 مصفاة رئيسية، تلقت عدة ضربات.
بحلول نهاية أكتوبر، كانت أوكرانيا قد عطلت ما بين 13% و20% من طاقة تكرير النفط الروسية، ما قد يقلل الإنتاج بما يصل إلى 1.1 مليون برميل يومياً وفقاً لتقديرات القطاع.
تؤثر حملة أوكرانيا على إيرادات روسيا، وتعيق اللوجستيات العسكرية من خلال الضغط على الوقود لإبطاء التقدم العسكري لروسيا، وتعقد تمويل جهود الحرب لموسكو.
يُرجح أيضاً أن تهدف الضربات إلى إثارة السخط بين الشعب الروسي بسبب ارتفاع أسعار الوقود وتقنينه في بعض المناطق. ويبقى أن نرى ما إذا كان هذا سيكون كافياً لدفع روسيا إلى طاولة المفاوضات.
ضربات على أهداف قابلة للانفجار
الضربات الأوكرانية على البنية التحتية للطاقة الروسية ليست جديدة، لكن الجديد هو نطاقها ومداها ودقتها.
كانت المسيّرات، وخاصة طائرات (FP-1) طويلة المدى (1600 كيلومتر)، هي التي نفذت معظم الهجمات.
وقد كانت عدة عوامل وراء التأثير الكبير لهذه الضربات: المدى المتزايد للطائرات المسيرة التي تنتجها أوكرانيا محلياً، وتكلفتها المنخفضة نسبياً، ومهارة مشغلي المسيّرات الأوكرانيين، وزيادة تعقيد التخطيط العسكري. لقد أدى ذلك إلى توسيع خيارات كييف للأهداف بتكلفة منخفضة نسبياً لكل وحدة.
هجوم أوكراني جديد على مصافي النفط الروسية.. وهذه خطة موسكو
ضربت أوكرانيا ثلاث مجموعات رئيسية من الأهداف: مصافي النفط، ومحطات الضخ وخطوط الأنابيب، ومحطات التصدير.
استهدفت الضربات على المصافي الروسية المكونات التي تتطلب إصلاحات مكثفة، أي وحدات الأنابيب الفراغية الجوية اللازمة لتقطير النفط الخام، والجسور العلوية المكلفة التي تستغرق وقتاً طويلا لإصلاحها. تتسبب الضربات في حرائق في مواد شديدة الاشتعال، ما يزيد من حجم الأضرار التي لحقت بها.
ورد أن الولايات المتحدة قد شاركت معلومات استخباراتية مع أوكرانيا لتنفيذ الضربات، في محاولة لإجبار الكرملين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وهو تغيير في السياسة نظراً إلى أن واشنطن حثت سابقاً على عدم التصعيد كتكتيك لحمل بوتين على التفاوض.
كيف تستخدم أوروبا أصول روسيا المجمدة لصالح أوكرانيا؟
لطالما كانت البنية التحتية للطاقة هدفاً جذاباً للمخططين العسكريين في أي صراع. ويمثل النفط والمنتجات البترولية المكررة حجر الزاوية في الاقتصاد الروسي، إذ تمثل جزءاً كبيراً من عائدات التصدير وإمدادات الوقود المحلية.
لقد أثبتت البنية التحتية للطاقة في روسيا أنها معرضة بشكل خاص لهجمات الطائرات بدون طيار الأوكرانية. تفتقر موسكو إلى الدفاعات الجوية الكافية لحماية المصافي وخطوط الأنابيب المنتشرة في جميع أنحاء أراضي البلاد الشاسعة.
استدعت روسيا قوات الاحتياط للدفاع عن منشآت النفط، بينما بدأت شركات النفط في إقامة دفاعات مضادة للطائرات المسيّرة في المصافي.
حساب التكلفة وتجارة سوداء بقسائم الوقود
أفادت التقارير بأن توقف المحطات غير المخطط له أدى إلى انخفاض الإنتاج في مصافي النفط الروسية بمقدار يقترب من الخُمس بحلول أواخر أكتوبر. وقد فاقمت العقوبات من المتاعب، إذ أن عدم إتاحة قطع الغيار الغربية، يجبر المصانع على استهلاك المعدات وتمديد فترة التوقف، ما يؤدي إلى تفاقم النقص.
تتوقع “وكالة الطاقة الدولية” التعافي بعد يونيو 2026، على افتراض عدم وقوع مزيد من الهجمات. ونعتقد أن هذا افتراض متفائل. يُرجح أن تستمر الاضطرابات، وستؤدي الهجمات المتكررة على نفس المواقع إلى تدهور أطول أمداً.
بوتين يخفف قواعد دعم الوقود للمصافي بعد هجمات أوكرانية
أدى نقص الوقود في 57 منطقة على الأقل في روسيا إلى زيادات أسبوعية في الأسعار بنسبة 0.3 % إلى 0.4%، وإلى تقنين الوقود في بعض المناطق، وإغلاق محطات الوقود المستقلة. ما النتيجة؟ مزيد من ندرة الوقود، ما أدى إلى ظهور سوق سوداء لتجارة “قسائم الوقود”.
لم يسهم حظر تصدير البنزين الذي فرضته موسكو في يوليو 2025 في استقرار الإمدادات المحلية. في سبتمبر، وسعت روسيا حظرها ليشمل قيوداً جزئية على صادرات الديزل، ما أدى إلى انخفاض صادرات الوقود إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2022.
ويهدف نقص الوقود وارتفاع الأسعار الناجم عن الهجمات إلى الضغط على الكرملين من الداخل. زعمت مصادر حكومية أوكرانية أن الضربات الأوكرانية على المصافي الروسية ألحقت خسائر اقتصادية بروسيا أكثر من العقوبات الغربية، التي تواصل روسيا التحايل عليها من خلال أسطولها المظلم والأسواق البديلة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ضربات محسوبة للإضرار بروسيا دون سواها
يُرجح أن تكون الضربات محسوبة، فالهدف هو إيذاء روسيا محلياً بدلاً من التأثير على حلفاء أوكرانيا الأوروبيين. حتى الآن، يبدو أن كييف تمكنت من الحفاظ على هذا التوازن.
في أكتوبر، وقبل العقوبات الأميركية الأخيرة التي استهدفت شركتي نفط روسيتين كبيرتين، “روسنفت” (Rosneft) و”لوك أويل” (Lukoil)، ارتفعت صادرات النفط الخام الروسية إلى ما نحو أعلى مستوى بلغته بعد عام 2022.
قد تتطور حملة الضربات الأوكرانية بمرور الوقت، لتتوسع وتشمل أهدافاً إضافية للطاقة مثل شبكة الطاقة الكهربائية الروسية. ستؤثر الضربات على أهداف الطاقة الكهربائية في الغالب على الشعب الروسي، مع تجنب إيذاء حلفاء كييف الأوروبيين.
طائرة مسيّرة روسية رخيصة تضع الناتو في مأزق مكلف
قد تكمل القدرات الإضافية، مثل صواريخ “توماهوك” الأميركية بعيدة المدى للهجوم البري، حملة الضربات العميقة لأوكرانيا أيضاً. لكن الطريقة الأرجح لتغيير حسابات الكرملين هي أن يكمّل الغرب جهود أوكرانيا بتشديد العقوبات وتطبيق العقوبات القائمة بشكل أكبر، لتقليص إيرادات روسيا من النفط والغاز.
لقد حققت الضربات على البنية التحتية للطاقة في روسيا ما سعت إليه كييف. ومع ذلك، تلوح في الأفق تحدياتٌ لمستقبل هذه الحملة. ويبقى أن نرى ما إذا كانت استراتيجية فرض التكاليف المادية ستدفع موسكو إلى طاولة المفاوضات في عام 2026، وما إذا كانت ضربات أوكرانيا ستستمر بتوازنها من دون إثارة غضب حلفاء كييف الأوروبيين أو الولايات المتحدة.






