أصدر البنك المركزي المصري تعليمات جديدة للبنوك العاملة في البلاد، تلزمها بالحصول على موافقته المسبقة قبل المشاركة في أي عمليات توريق. يأتي هذا الإجراء في ظل نمو ملحوظ في حجم إصدارات سندات التوريق مؤخرًا، لا سيما في قطاعي التمويل الاستهلاكي والتطوير العقاري، مما أثار مخاوف بشأن إدارة المخاطر في الجهاز المصرفي.
ووفقًا لمصادر مطلعة تحدثت لـ “الشرق”، فإن هذا التوجيه شفهي في الوقت الحالي، ويتطلب من البنوك تقديم تفاصيل كاملة عن صفقات التوريق المقترحة قبل البدء بها. ويشمل ذلك اسم الشركة المصدرة، ونوع المحفظة المالية التي سيتم تحويلها، وأسماء المستشارين الماليين والقانونيين المشاركين في الصفقة، بالإضافة إلى موافقة الهيئة العامة للرقابة المالية.
ارتفاع قيمة إصدارات سندات التوريق
سجلت قيمة إصدارات سندات التوريق في مصر ارتفاعًا كبيرًا خلال الأشهر الأخيرة، حيث قفزت بنسبة تقدر بحوالي 182% على أساس ربع سنوي في الفترة من يوليو إلى سبتمبر، لتصل إلى 17.8 مليار جنيه مصري. ويقارن هذا الرقم بـ 6.3 مليار جنيه مصري في نفس الفترة من العام الماضي، وفقًا لبيانات الهيئة العامة للرقابة المالية.
يعكس هذا النمو المتزايد في توريق الأصول رغبة الشركات والمؤسسات المالية في الحصول على تمويل سريع وفعال، من خلال تحويل أصولها غير السائلة إلى أدوات مالية قابلة للتداول. تساعد هذه العملية في تحسين السيولة النقدية وتقليل المخاطر المرتبطة بتمويل المشاريع.
مخاطر التمويل الاستهلاكي والعقاري
أحد الأسباب الرئيسية وراء إجراءات البنك المركزي يكمن في التوسع الكبير في التمويل الاستهلاكي والعقاري في مصر. فقد ارتفعت قيمة التمويل الاستهلاكي بنحو 57% خلال الفترة من يناير إلى نهاية أكتوبر من العام الجاري، لتصل إلى 75 مليار جنيه مصري، وفقًا لبيانات الهيئة العامة للرقابة المالية.
على الرغم من أن هذا النمو قد يشير إلى انتعاش النشاط الاقتصادي، إلا أنه يحمل في طياته مخاطر محتملة على استقرار النظام المصرفي. ففي حالة تدهور الأوضاع الاقتصادية أو زيادة معدلات البطالة، قد يواجه المقترضون صعوبة في سداد قروضهم، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الديون المتعثرة لدى البنوك.
يعتبر قطاع التطوير العقاري أيضًا من القطاعات التي تشهد نشاطًا كبيرًا في عمليات التوريق. بينما تساهم المشاريع العقارية في تحقيق النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل، إلا أنها قد تكون عرضة للتقلبات في السوق وتغيرات أسعار الفائدة، مما يزيد من المخاطر التي تواجه البنوك المشاركة في تمويلها.
ولذلك، فإن البنك المركزي يسعى من خلال هذه الإجراءات إلى تعزيز الرقابة على عمليات توريق الأصول، والتأكد من أن البنوك تتبع ممارسات إدارة مخاطر سليمة. يهدف هذا إلى الحفاظ على استقرار النظام المصرفي وحماية أموال المودعين.
يذكر أن سندات التوريق هي أوراق مالية تمثل حقوقًا في مجموعة من الأصول أو التدفقات النقدية المستقبلية. تُستخدم هذه السندات بشكل رئيسي لتمويل المشاريع وتحويل الأصول غير السائلة إلى أصول سائلة، مما يوفر للمستثمرين عائدًا على استثماراتهم.
ويعتبر التوريق أداة مالية معقدة تتطلب خبرة وكفاءة عالية في تقييم وإدارة المخاطر. لذلك، فمن الضروري أن تكون البنوك العاملة في مصر مؤهلة بشكل كافٍ للتعامل مع هذه العمليات، وأن تلتزم بأعلى معايير الشفافية والإفصاح.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الهيئة العامة للرقابة المالية تلعب دورًا هامًا في تنظيم وتطوير سوق سندات التوريق في مصر. تتولى الهيئة مسؤولية الموافقة على إصدار السندات، ومراقبة التزام الشركات المصدرة بالقوانين واللوائح المنظمة. وتعتبر موافقة الهيئة شرطًا أساسيًا لإصدار أي سندات توريق في مصر.
من المتوقع أن يستمر البنك المركزي في مراقبة تطورات سوق التوريق عن كثب، واتخاذ أي إجراءات إضافية ضرورية للحفاظ على استقرار النظام المالي. ونظرًا لتعقيد هذا السوق وأهميته المتزايدة، فمن المحتمل أن يتم إصدار مزيد من التوجيهات والضوابط التنظيمية في المستقبل القريب. وما زال من المبكر تحديد مدى تأثير هذه الإجراءات على حجم إصدارات سندات التوريق في مصر، ولكن من المؤكد أنها ستفرض مزيدًا من الحذر والانضباط على البنوك المشاركة في هذه العمليات.
تعتبر هذه الخطوة جزءًا من جهود البنك المركزي الأوسع نطاقاً لتنظيم قطاع التمويل غير المصرفي وزيادة الشفافية في المعاملات المالية، إلى جانب الأصول المالية الأخرى.






