لم تعد الولائم والمناسبات الاجتماعية تقتصر على كونها مظاهر للبهجة وصلة الرحم، بل تحوّلت لدى كثيرين إلى مصدر قلق وضغط اجتماعي واقتصادي، خصوصًا في ظل التكاليف الباهظة التي تتطلبها حفلات الزواج والمآدب المصاحبة لها.
وبين موجة البذخ التي تجتاح بعض الأسر بدافع التفاخر و«مجاراة الناس»، وبين أسر محدودة الدخل تجد نفسها مُجبرة على تحمل ما لا تطيق كي لا تُتهم بالبخل أو التقصير، تتعالى الدعوات المجتمعية نحو تبني نماذج جديدة تُعيد تعريف الكرم بمعايير الحكمة والتعقل، وتضع حدًّا للهدر الغذائي والتكاليف غير الضرورية، مع الحفاظ على روح المناسبة وجوهرها الإنساني والديني.

نماذج جديدة للزواجات

ودعا عبدالله الريس، المدير التنفيذي لجمعية التنمية الأهلية في حي عبدالله فؤاد، إلى تبني فكرة نماذج اجتماعية جديدة للزواجات، تبقي على المودة وتقلل التكاليف، خاصة في المجتمعات التي تعاني من ضغوط اقتصادية واجتماعية.

الكرم بين العادة والعبء.. دعوات مجتمعية لكسر حلقات التكاليف الباهظة في المناسبات 

وذلك من خلال بعض الأفكار التي يمكن أن تدعم هذا الهدف، و الدعوة إلى تقليص الإنفاق على الزواجات من خلال التركيز على الجوهر بدلاً من المظاهر، مثل تقليل تكاليف الاحتفالات والمهر ، والاكتفاء بمناسبات عائلية متواضعة تعزز التواصل والمودة.
وقال: لتعزيز الوعي المجتمعي يجب نشر حملات توعية عبر وسائل الإعلام والمنصات الاجتماعية مثل منصات التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء على أهمية الزواج المبني على التفاهم والمحبة بدلاً من الإسراف، مع مشاركة قصص ناجحة لأزواج تبنوا نماذج بسيطة.

226

عبد الله الريس

وأضاف: يجب دعم مبادرات مجتمعية مثل إنشاء مبادرات محلية ، وتنظيم أعراس جماعية بتكاليف مخفضة، أو توفير قاعات مجانية مدعومة من الجمعيات أو الجهات الحكومية، ما يساعد الشباب على بدء حياتهم بسهولة.
كذلك تفعيل دور المؤسسات الدينية والاجتماعية مثل الدعوة إلى خطب ومحاضرات تشجع على الزواج الميسر، مع التأكيد على القيم الإنسانية والدينية التي تحث على التسامح وتقليل الشروط المادية.

ولائم مسرفة

فيما بين المختص في الشؤون البيئية الوليد الناجم، أنالهدر الغذائي وتبعاته البيئية في الزواجات والمناسبات له أثره على المجتمع والبيئة، فعندما نبالغ في إعداد الطعام في المناسبات ويُلقى جزء كبير منه في النفايات، فإننا لا نهدر فقط الطعام، بل نُحمّل البيئة أضرارًا خطيرة.
وتابع: من المؤسف أن الكثير من المناسبات الاجتماعية، وخصوصًا حفلات الزواج، تشهد مظاهر من الإسراف في إعداد كميات كبيرة من الطعام تفوق حاجة المدعوين، ما يؤدي إلى هدر غذائي كبير.
وأضاف: رغم أن الكرم قيمة نبيلة في مجتمعنا، إلا أن الإفراط في تقديم الطعام حتى يُرمى الفائض منه يُعد مخالفة شرعية وبيئية.

175

الوليد الناجم

وأكد أن التبعات البيئية لهذا الهدر تشمل كل طبق طعام أُعدّ ثم رُمي، استهلك قبله آلاف اللترات من المياه، وكميات كبيرة من الكهرباء والوقود في الزراعة والنقل والتبريد والطبخ و بقايا الطعام تُنقل إلى المكبات، فتتحلل وتُطلق غاز الميثان الضار بالغلاف الجوي ، حين يُهدَر الطعام في المناسبات.
وبين أن هذه الممارسة تتناقض مع أهداف التنمية المستدامة، خاصة تلك المتعلقة بحفظ الموارد وتقليل الفاقد الغذائي الإفراط في إنتاج الطعام لتغطية الطلب في المناسبات يساهم في تدهور الأراضي الزراعية واستهلاك الموارد بشكل غير مستدام فكل لقمة تُرمى = مياه ضائعة + هواء ملوث + موارد مستنزف .

ساحة للتفاخر

وتسائل المواطن حسين الحاجي: أليس من الحكمة أن نُعيد تعريف الكرم بمعايير التعقل لا الاستعراض؟ وبين أن الذي يدفع شخصاً بسيطاً لمأدبة تفوق قدرته خشية أن يُوصم بالبخل، هو سيف التقاليد وهاجس الركض خلف صورة اجتماعية زائفة لا تمثل حقيقة صاحبها بل تمثل سطوة العُرف على العقل.
كما أن ليست كل سفرة عامرة كرماً وليست كل وجبة كبيرة سخاءً، و المؤسف في مجتمعنا أن الكرم ارتبط بالولائم والعطاء بالموائد، ولكن حينما تتحول الضيافة إلى ساحة للتفاخر وتصبح معياراً للوجاهة فإننا أمام عادة لا تُكرم الضيف بل تُرهق المضيف وتُبدد معها المال والوعي، والنتيجة إسراف يتكرر وهدر يتضخم وضغط نفسي لا يُحتمل.

316

حسين الحاجي

وأكمل: كم هو مؤلم أن بعض الأغنياء يُبالغون في البذخ بدافع التفاخر، والأشد ألماً أن يُجاريهم محدودو الدخل فيكلفون أنفسهم فوق طاقتها ليُرضوا العُرف بينما هم في دواخلهم يئنون من ضغط هذه العادة .
وأكد أن البذخ سلوك مذموم من ثري مُترف أو بسيط مُكابر، علينا أن نُحرر الضيافة من قبضة المجاملة وأن نُشعل في وعينا أن الكرم لا يعني الهدر وأن احترام النعمة خير من بعثرتها، وأن المجتمع الواعي لا يُقاس بحجم أطباقه بل بحجم حكمته.
وشدد على أن الأوان قد آن لكسر دائرة الضغط الاجتماعي وتحرير الكرم من سلاسل المظاهر، فليس من الرجولة ولا من المروءة أن يُقحم الإنسان نفسه في الديون من أجل مظهر ينتهي بنهاية المناسبة ، قال الله تعالى : ” إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين” .

أعباء اقتصادية

وذكر الأخصائي الاجتماعي عبد الرحمن السويلم، أن هناك بعض العادات والتقاليد الاجتماعية التي قد تُثقل كاهل الأسر ذات الدخل المحدود أثناء إقامة المآدب، ما قد يضعهم في حرج، ويُسبب لهم أعباء اقتصادية تفوق طاقتهم.

194

عبدالرحمن السويلم

وقد يدفع ذلك ببعضهم إلى الانعزال عن مجتمعهم لعدم قدرتهم المادية على مجاراة التكاليف وفي المقابل، نجد بعض الميسورين يقعون في الإسراف والتبذير اعتقادًا أنه نوع من الكرم، أو خوفًا من انتقاد الناس إن قدّموا القليل لضيوفهم.
من هنا تأتي أهمية مراعاة ظروف الجميع عند تقديم الولائم والاحتفاء بالمناسبات، والتذكير بأن النعم لا تدوم، وأن شكرها يكون بالاعتدال وعدم التكلف.
كما طرح عددًا من التوصيات للحد من هذه الظاهرة مثل أهمية اعتماد مبدأ الاعتدال دون تكلف في إقامة الولائم والمناسبات، و مراعاة اختلاف القدرات المادية بين أبناء العائلة وعدم إحراج أحد بأي التزام يفوق طاقته، و أهمية التركيز على المعنى الاجتماعي وصلة الرحم بدلاً من المظاهر ، و وضع آلية توافقية واضحة للضيافة تضمن المشاركة الرمزية والمقبولة من الجميع ، و نشر ثقافة شكر النعمة والاقتصاد فيها، والابتعاد عن الإسراف والتباهي، وتخصيص جزء من الجهود للمبادرات الاجتماعية التي تخدم العائلة وتزيد من تلاحمها.
كما وضع د. خالد برهان عددًا من الحلول لإقامة حفلات صغيرة أو منزلية بدلًا من القاعات الفخمة وتقليل عدد المدعوين للحفل ليشمل المقربين فقط، و الاكتفاء بحفل عقد قران بسيط دون زفاف كبير، والاعتماد على خدمات محلية أو شخصية (مثل الطبخ أو التصوير من معارف) .

152

خالد برهان

إضافة إلى الاستغناء عن المظاهر المكلفة مثل الهدايا الفخمة، الكوشة، أو عروض الزفة المبالغ بها، و الزواج الجماعي، و التخطيط المبكر والميزانية المحددة لتجنب الإنفاق العشوائي، و التركيز على بناء الحياة الزوجية بدلاً من حفلة ليوم واحد.

شاركها.