في تطور مفاجئ هز الأوساط السياسية في أوكرانيا، أطلقت السلطات الأوكرانية حملة مداهمات واسعة النطاق استهدفت رجال أعمال بارزين، أبرزهم الملياردير إيهور كولومويسكي. هذه الخطوة، التي تأتي في ظل سعي أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، تهدف إلى مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية، وتثير تساؤلات حول مستقبل النخبة السياسية والاقتصادية في البلاد.
وقعت المداهمات في كييف ومناطق أخرى، وأكد جهاز الأمن الأوكراني (SBU) أنه يحقق في اتهامات تتعلق بجرائم مالية واسعة النطاق، بما في ذلك اختلاس الأموال والتهرب الضريبي. وتأتي هذه التطورات قبل قمة حاسمة مع الاتحاد الأوروبي، حيث تعتبر مكافحة الفساد شرطًا أساسيًا لمنح أوكرانيا صفة المرشح للعضوية.
تحقيقات الفساد وتداعياتها على إيهور كولومويسكي
تركز التحقيقات الحالية على شركتي النفط «أوكرنافتا» و«أوكرتاتنافتا»، اللتين كان يمتلكهما كولومويسكي. وتتهم السلطات الأوكرانية كولومويسكي وشركته باختلاس ما يقارب مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى التهرب من دفع الضرائب والرسوم الجمركية. وقد نشر جهاز الأمن الأوكراني صورًا للمداهمات في منزل كولومويسكي الفاخر، في إشارة واضحة إلى أن لا أحد فوق القانون.
من هو إيهور كولومويسكي ودوره في السياسة الأوكرانية؟
يُعد إيهور كولومويسكي من بين أغنى رجال الأعمال في أوكرانيا، ويمتلك إمبراطورية اقتصادية واسعة تشمل قطاعات النفط والتعدين والإعلام. لعب كولومويسكي دورًا محوريًا في دعم فولوديمير زيلينسكي خلال حملته الرئاسية عام 2019، حيث بثت قناته التلفزيونية المسلسل الكوميدي الشهير «خادم الشعب» الذي ساهم في رفع شعبية زيلينسكي.
ومع ذلك، تدهورت العلاقة بين زيلينسكي وكولومويسكي بعد تأميم «بريفات بنك»، وهو البنك الذي كان يملكه كولومويسكي، وسط اتهامات بوجود مخالفات مالية كبيرة. وقبل المداهمات الأخيرة، جردت السلطات الأوكرانية كولومويسكي من جنسيته الأوكرانية، مما أزال عنه الحصانة السياسية وفتح الباب أمام الملاحقة القضائية.
الدوافع السياسية والاستراتيجية وراء هذه الخطوة
تأتي هذه الحملة ضد إيهور كولومويسكي في وقت حرج بالنسبة لأوكرانيا، حيث تسعى للحصول على دعم مالي وعسكري إضافي من الغرب لمواجهة الغزو الروسي. وتعتبر مكافحة الفساد شرطًا أساسيًا لضمان استمرار هذا الدعم، حيث يطالب الشركاء الغربيون كييف بإجراء إصلاحات هيكلية لتعزيز الشفافية والمساءلة.
بالإضافة إلى ذلك، يهدف زيلينسكي من خلال استهداف حليفه السابق إلى إرسال رسالة قوية إلى الاتحاد الأوروبي مفادها أن أوكرانيا جادة في مكافحة الفساد وتستحق أن تنضم إلى التكتل الأوروبي. وتشترط بروكسل على أوكرانيا اتخاذ إجراءات ملموسة لمكافحة الفساد كشرط أساسي لبدء مفاوضات العضوية.
التأثيرات المحتملة على أوكرانيا والمنطقة
من المتوقع أن يكون لهذه الخطوة تأثير كبير على المشهد السياسي والاقتصادي في أوكرانيا. على الصعيد المحلي، قد تعزز هذه الخطوة ثقة المواطنين في الحكومة وتساهم في تحسين مناخ الاستثمار. أما على الصعيد الإقليمي، فقد تؤدي إلى تقليل نفوذ الأوليغارشية وتعزيز استقرار أوكرانيا.
ومع ذلك، لا تزال هناك العديد من التحديات التي تواجه أوكرانيا في مجال مكافحة الفساد. وتشمل هذه التحديات ضعف المؤسسات القضائية، وتغلغل الفساد في مختلف القطاعات الحكومية، ونقص الموارد اللازمة لتنفيذ الإصلاحات. بالإضافة إلى ذلك، قد يواجه زيلينسكي معارضة قوية من بعض النخب السياسية والاقتصادية التي تسعى إلى الحفاظ على مصالحها.
من المتوقع أن تستمر التحقيقات مع كولومويسكي، وقد تواجه أوكرانيا ضغوطًا من بعض الجهات الخارجية التي قد ترى في هذه الخطوة محاولة لتقويض مصالحها. وستراقب بروكسل عن كثب التطورات الجارية، وستقيم مدى جدية أوكرانيا في مكافحة الفساد قبل اتخاذ قرار بشأن منحها صفة المرشح للعضوية في الاتحاد الأوروبي. يبقى مستقبل هذه القضية غير واضح، ولكنها تمثل نقطة تحول حاسمة في مسار أوكرانيا نحو الإصلاح والتكامل الأوروبي.


