توصل الاتحاد الأوروبي والصين خلال قمتهما الخامسة والعشرين المنعقدة في بكين لاتفاق على إنشاء آلية جديدة تهدف إلى تسهيل تصدير العناصر الأرضية النادرة، في خطوة تُبرز التعاون بين الجانبين في سلاسل التوريد الاستراتيجية.
أصبحت قضية سلاسل توريد المعادن الأرضية النادرة موضوعاً متزايد الأهمية في النقاشات العالمية. وخلال الاجتماع رفيع المستوى مع الرئيس الصيني شي جين بينغ يوم الخميس، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن الاتحاد الأوروبي لا يسعى إلى فك الارتباط أو قطع سلاسل التوريد مع الصين، ويرحب باستثمارات الشركات الصينية ومزاولتها للأعمال في أوروبا.
وأضافت خلال مؤتمر صحفي في بكين بعد القمة: “اتفقنا على آلية محسّنة لتوريد الصادرات. بمعنى آخر، إذا ظهرت اختناقات، يمكن لهذه الآلية أن تتدخل فوراً لتفحص وتحل المشكلة أو القضية القائمة”.
وتُظهر بيانات الجمارك الصينية أن صادرات الصين من المغناطيسات إلى الاتحاد الأوروبي شكّلت نحو نصف الشحنات في يونيو، وهو أعلى معدل في العام الجاري، وقد تم منح المزيد من التراخيص وفقاً للقوانين واللوائح.
كان وزير الخارجية الصيني وانغ يي قال، خلال جولة أوروبية في 3 يوليو، إن “صادرات المعادن النادرة لن تتحول إلى قضية خلافية بين الصين والاتحاد الأوروبي”.
نقطة تحول
رحبت الغرفة التجارية الأوروبية في الصين الجمعة، بنتائج قمة الصين والاتحاد الأوروبي، وقالت في بيان إن الاجتماع “فاق التوقعات”. وسلطت الضوء على عدة تطورات إيجابية، من بينها البيان المشترك الذي أكد الالتزام المتبادل بمكافحة تغير المناخ، وإنشاء آلية محسّنة لتوريد الصادرات.
وقال ينس إسكيلوند، رئيس غرفة التجارة الأوروبية في الصين لـ”الشرق” إن الذكرى الخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد الأوروبي والصين تمثل فرصة ليس فقط للاعتراف بالنجاحات، بل أيضاً لإجراء “صيانة” للعلاقة.
وفي اليوم نفسه، أعلنت وزارة الخارجية الصينية عن توصل الجانبين إلى عدة اتفاقيات مهمة، خصوصاً في مجالي تغير المناخ والرقابة على الصادرات.
وخلال اجتماع القمة في بكين يومي 24 و25 يوليو لإحياء الذكرى الخمسين للعلاقات الدبلوماسية، قال الرئيس الصيني إن العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي وصلت إلى “منعطف حاسم آخر في التاريخ”، في حين وصفت أورسولا فون دير لاين العلاقة بأنها تمر بـ”نقطة تحول”.
أوكرانيا نقطة خلاف
ينظر القادة الأوروبيون إلى علاقتهم مع الصين غالباً من منظور الحرب الروسية الأوكرانية.
وقال البروفيسور شو فنغ، عميد كلية العلاقات الدولية بجامعة نانجينغ، لـ”الشرق” إن الاتحاد الأوروبي يأمل أن تقلل الصين بشكل كبير من علاقاتها في مجالات الطاقة والاقتصاد والتجارة مع روسيا، ويسعى أيضاً للضغط على بكي
ن من أجل تقديم تنازلات ملموسة، إلا أن موقف الصين في الحفاظ على تعاونها في مجال الطاقة مع روسيا لا يمكن تجاهله.
في 21 يوليو، شجبت وزارتا الخارجية والتجارة الصينيتان العقوبات الأحادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على بنوك وشركات صينية بسبب روسيا، وتوعّدتا باتخاذ إجراءات ضرورية لحماية الحقوق المشروعة. وفي فبراير، أعاد وزير الخارجية الصيني وانج يي التأكيد على أن العلاقات الصينية-الروسية تتميز بأنها “ليست تحالفاً، ولا مواجهة، ولا تستهدف طرفاً ثالثاً”.
ورداً على سؤال بشأن الضغط الأوروبي على الصين لوقف شراء الغاز من روسيا، تساءل وانغ: “إذا لم تستورد الصين النفط والغاز من روسيا، فكيف يمكنها تلبية احتياجات أكثر من 1.4 مليار شخص؟”
معيار عالمي لمواجهة تغير المناخ
بعد انتهاء القمة، كتبت أورسولا فون دير لاين على منصة “إكس”: “بإمكان التعاون الصيني الأوروبي في مجال المناخ أن يضع معياراً عالمياً، وسنعمل معاً لإنجاح مؤتمر COP30”.
ورحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالتزام الصين والاتحاد الأوروبي بتعميق التعاون في مواجهة تغير المناخ ودعم الانتقال العادل عالمياً. وفي اليوم نفسه، أشاد المتحدث باسم الخارجية الصينية قوه جياكون بالبيان المشترك حول المناخ، واعتبره تعبيراً عن التزام مشترك بالتصدي للقضايا المناخية وتعزيز التنمية الخضراء.
وقال فنغ تشونغ بينغ، مدير معهد الدراسات الأوروبية في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية ورئيس الجمعية الصينية للدراسات الأوروبية، في مقابلة مع “الشرق”: “رغم أن الاتحاد الأوروبي يرى وجود منافسة كبيرة مع الصين، إلا أن الصين تُعتبر شريكاً لا غنى عنه في ملف المناخ”. وأكد أن التعاون بين الطرفين في هذا المجال يسير بشكل جيد.
وفي البيان المشترك، تعهدت الصين والاتحاد الأوروبي بتسريع نشر الطاقة المتجددة عالمياً، وتعزيز تدفق التكنولوجيا والمنتجات الخضراء عالية الجودة، وجعلها متاحة وميسورة وملائمة لجميع الدول، بما في ذلك البلدان النامية.
كما اتفق الطرفان على تعزيز التعاون الثنائي في مجالات مثل الانتقال في الطاقة، والتكيّف مع تغير المناخ، والتحكم في انبعاثات الميثان، وأسواق الكربون، والتقنيات الخضراء ومنخفضة الكربون. والتزم الطرفان بتقديم مساهماتهما المحددة وطنياً لعام 2035 قبل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP30.
ولم يأت البيان المشترك على ذكر الولايات المتحدة، التي من المقرر أن تنسحب من اتفاق باريس مجدداً في يناير 2026 بعد إعادة انتخاب الرئيس ترمب وتقديم إدارته طلباً رسمياً للانسحاب.