أصدر قاضٍ فيدرالي أمريكي حكماً تاريخياً يلزم شركة “جوجل” بإعادة التفاوض سنوياً على العقود التي تمنحها وضعاً افتراضياً لمحرك البحث الخاص بها على الهواتف الذكية والأجهزة الأخرى. يأتي هذا القرار في أعقاب دعوى قضائية رفعتها وزارة العدل الأمريكية تتهم “جوجل” بممارسة احتكار غير قانوني في سوق البحث عبر الإنترنت. ويهدف الحكم إلى تعزيز المنافسة في قطاع التكنولوجيا المتنامي، خاصة مع صعود تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

القرار، الذي أصدره القاضي أميت ميهتا في واشنطن، يؤكد على ضرورة أن تكون مدة هذه العقود محدودة بسنة واحدة فقط. ووفقاً للحكم، يمكن لـ”جوجل” الاستمرار في دفع مبالغ مالية لشركات مثل “أبل” و”سامسونج” مقابل الحفاظ على وضعها الافتراضي، لكن هذه الاتفاقيات يجب أن تخضع لمراجعة وتجديد سنوي. هذا الإجراء يفتح الباب أمام منافسي “جوجل” للحصول على فرص أكبر في الوصول إلى المستخدمين.

آثار حكم الاحتكار على مستقبل جوجل

يعتبر هذا الحكم تتصعيداً في الجهود الرقابية التي تستهدف شركات التكنولوجيا الكبرى في الولايات المتحدة. تم بناء القرار على نتائج محاكمة استمرت عشرة أسابيع، خلصت إلى أن “جوجل” قد أساءت استخدام هيمنتها في سوق البحث. وبحسب وزارة العدل، فإن هذه الهيمنة أدت إلى إضعاف المنافسة وتقليل الابتكار.

تفاصيل الحكم والإجراءات التصحيحية

القاضي ميهتا أوضح أن كلا من “جوجل” والحكومة الأمريكية أكدتا قدرتهما على الالتزام بمدة عام واحد للعقود. ويرى أن هذا الإطار الزمني هو الأمثل لتحقيق أهداف التدابير القضائية. بالإضافة إلى ذلك، قضى الحكم بأن “جوجل” يجب أن تشارك بيانات مهمة مع منافسيها، مما يسمح لهم بتحسين نتائج البحث الخاصة بهم.

في وقت سابق، رفض القاضي ميهتا طلب وزارة العدل بفرض بيع متصفح “كروم” التابع لـ”جوجل”. ومع ذلك، أصدر قراراً في سبتمبر 2025 يمنع “جوجل” من الدفع للشركات مقابل استخدام حصري لمحرك بحثها أو “كروم” أو متجر “جوجل بلاي”. هذا القرار الأخير يهدف إلى منع “جوجل” من إغراق السوق بمبالغ مالية لإقصاء المنافسين.

القرار لا يزال يسمح لـ”جوجل” بتقديم منتجاتها لشركات مثل “أبل” لاستخدامها في هواتف “أيفون”. لكن شروط هذه الشراكات ستخضع الآن لتدقيق سنوي، مما يمنح “أبل” وغيرها من الشركات فرصة أكبر لاستكشاف بدائل.

تعتزم “جوجل” استئناف الحكم الأولي الذي أدانتها بمخالفة قوانين مكافحة الاحتكار. في المقابل، قد تدرس وزارة العدل أيضاً استئناف بعض جوانب الحكم المتعلقة بالإجراءات التصحيحية. هذا يعني أن المعركة القانونية قد تستمر لبعض الوقت.

الخلاف القانوني بين وزارة العدل و”جوجل” لا يقتصر على البحث عبر الإنترنت. فهو يشمل أيضاً سوق الإعلانات الرقمية، حيث تتهم الحكومة “جوجل” بالسيطرة غير القانونية على هذا السوق الحيوي. التركيز على المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي هو تطور حديث في هذه القضية، حيث ترى الوزارة أن “جوجل” قد تستخدم هيمنتها في البحث لإعاقة نمو المنافسين في هذا المجال.

العديد من المراقبين يرون أن هذا الحكم يمثل نقطة تحول في الطريقة التي تتعامل بها الحكومات مع شركات التكنولوجيا الكبرى. فقد أصبح من الواضح أن الهيمنة السوقية لا تعني بالضرورة الإعفاء من المساءلة القانونية. الشركات الأخرى، مثل “فيسبوك” (Meta) و”أمازون” (Amazon)، قد تواجه تدقيقاً مماثلاً في المستقبل.

من المتوقع أن يكون لهذا الحكم تأثير كبير على استراتيجيات “جوجل” في السنوات القادمة. قد تضطر الشركة إلى إعادة النظر في طريقة تعاملها مع الشركاء وتعديل نماذج أعمالها لضمان الامتثال للقوانين. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي الحكم إلى زيادة الاستثمار في الابتكار، حيث تسعى “جوجل” إلى الحفاظ على مكانتها الرائدة في سوق التكنولوجيا.

في الوقت الحالي، لا تزال “جوجل” ووزارة العدل ترفضان التعليق على القرار. من المقرر أن تبدأ عملية إعادة التفاوض على العقود في غضون الأشهر القليلة القادمة. وسيكون من المهم مراقبة كيفية استجابة “جوجل” لهذا الحكم وكيف ستؤثر هذه التغييرات على المنافسة في سوق البحث والإعلانات الرقمية والذكاء الاصطناعي.

شاركها.