في ظل التصعيد المستمر في قطاع غزة، يتجدد الجدل الدولي حول دور مجلس الأمن وفاعلية قراراته، خاصة بعد الموقف الأمريكي الأخير الذي أثار موجة من الانتقادات، ليس فقط بسبب الانحياز الواضح لإسرائيل، بل لما يحمله من تداعيات إنسانية وسياسية خطيرة على الشعب الفلسطيني والمنظومة الأممية ككل.
ويتزامن ذلك مع جهود إغاثية مستمرة من دول عربية، على رأسها الإمارات ومصر، لتخفيف وطأة الكارثة الإنسانية في القطاع المحاصر.
وفي هذا الصدد، يقول الدكتور جهاد أبو لحية، أستاذ القانون الدولي والنظم السياسية، إن منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، والتي وصفها كثير من الخبراء القانونيين والمراقبين الدوليين بأنها ترقى إلى مستوى جريمة الإبادة الجماعية، استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض (الفيتو) للمرة السادسة لمنع مجلس الأمن الدولي من تبني قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار.
وأضاف أبو لحية- خلال تصريحات لـ “صدى البلد”، أن هذا السلوك يعكس بوضوح الانحياز الأمريكي غير المحدود لإسرائيل، حتى على حساب المبادئ الأساسية للقانون الدولي وحقوق الإنسان، ويؤكد أن حياة المدنيين الفلسطينيين لا تدخل ضمن حسابات الإدارة الأمريكية.
وأشار أبو لحية، إلى أن العالم بأسره يشاهد عبر الفضائيات، وبصورة مباشرة، ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة من قصف ودمار وقتل جماعي، إلا أن “العيون الأمريكية” في البيت الأبيض تتجاهل هذه الحقائق، معقبا: “فبينما تتحدث الولايات المتحدة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في المحافل الدولية، نجدها في الممارسة العملية توفر الغطاء السياسي والدبلوماسي لإسرائيل، مانعة المجتمع الدولي من القيام بخطوات فعلية لوقف النزيف الإنساني”.
وتابع: “يؤكد ميثاق الأمم المتحدة في مادته الأولى على أن الهدف الرئيس للمنظمة هو حفظ السلم والأمن الدوليين، غير أن استخدام الولايات المتحدة للفيتو، في مواجهة إجماع دولي واسع (14 دولة مقابل صوت واحد)، أدى إلى شلل مجلس الأمن وعجزه عن أداء دوره، وهذه المرة لم يقتصر الاعتراض على دول الجنوب العالمي فحسب، بل إن حتى بعض الحلفاء الأوروبيين لواشنطن رفعوا صوتهم عاليا مطالبين بفرض عقوبات على إسرائيل، بعدما باتت الكارثة الإنسانية في غزة واضحة للعيان ولا يمكن تبريرها”.
وأردف: “الفيتو الأمريكي ليس مجرد موقف سياسي عابر أو تصويت ضد مشروع قرار، بل هو أداة لإدامة حرب الإبادة الجماعية، واستمرار الحماية الأمريكية لإسرائيل يساهم في تمكين الحكومة الإسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو وتحالفه من المتطرفين، من مواصلة الحرب ضد المدنيين الفلسطينيين بلا رادع دولي”.
وأكمل: “هذه الحالة تكشف عجز النظام الدولي الحالي عن حماية الشعوب من الجرائم الجماعية، ويطرح هنا تساؤل جاد حول مستقبل مجلس الأمن في ظل استفراد دولة واحدة بقرار نقض الإرادة الجماعية لـ 14 عضوا آخرين، ومن المقترحات الأكاديمية المطروحة: إلغاء حق الفيتو أو الحد منه، وإعادة تعريف آلية استخدامه بحيث لا يمكن لدولة واحدة تعطيل قرار يحظى بأغلبية ساحقة، تقييد الفيتو في القضايا المتعلقة بجرائم الحرب والإبادة الجماعية، إذ لا يمكن القبول بمنح دولة واحدة حق حماية مرتكبي أبشع الجرائم ضد الإنسانية”.
واختتم: “الفيتو الأمريكي السادس ضد وقف إطلاق النار في غزة يعكس أزمة أخلاقية وقانونية للنظام الدولي المعاصر، فهو يبرز الانحياز الأمريكي لإسرائيل على حساب حياة المدنيين الفلسطينيين، ويكشف محدودية دور مجلس الأمن في حماية السلم والأمن الدوليين، واستمرار هذه المعادلة يفرض على المجتمع الدولي الدفع نحو إصلاحات جذرية في بنية الأمم المتحدة، حتى لا تبقى حقوق الشعوب رهينة لمصالح قوة واحدة”.
وأثار استخدام الولايات المتحدة حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي مؤخرا، ضد مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، موجة واسعة من الانتقادات، خاصة أن هذا الموقف لم يعد يفهم على أنه مجرد انحياز تقليدي لإسرائيل، بل بات ينظر إليه كغطاء سياسي واضح للانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين، والتي بلغت حد وصفها بجرائم الإبادة الجماعية.
وتظهر واشنطن إصرارا مستمرا على منع أي تحرك دولي لمساءلة إسرائيل، متجاهلة بذلك القوانين والمواثيق الدولية، وهو ما يجعلها شريكة في المسؤولية الأخلاقية والسياسية عن الجرائم اليومية التي ترتكب في غزة، حيث يتعرض المدنيون العزل لمجازر ممنهجة وأزمات إنسانية متفاقمة، تشمل المجاعة وانهيار البنى التحتية.
ويعد هذا الفيتو الأمريكي الثالث من نوعه خلال أشهر قليلة، في موقف يعكس ازدواجية فاضحة في المعايير، ويقوض مصداقية الأمم المتحدة، ويشل قدرتها على القيام بدورها في حفظ السلم والأمن الدوليين، مما يضع علامات استفهام كبرى حول فعالية مجلس الأمن.
وفي السياق نفسه، أعادت مصر، عبر تصريحات متكررة للرئيس عبد الفتاح السيسي في محافل دولية، التأكيد على ضرورة إجراء إصلاحات جذرية في مجلس الأمن، إذ لم يعد مقبولا استمرار تحكم قوى معينة في قراراته، على حساب العدالة الدولية وحقوق الشعوب.
وعلى الجانب الإنساني، تتواصل الجهود العربية لإغاثة المدنيين في قطاع غزة، حيث شرعت الجهات المختصة في ميناء العريش البحري بتفريغ السفينة الإماراتية «حمدان الإنسانية 9»، التي وصلت مؤخرا محملة بأكثر من 7 آلاف طن من المساعدات الإغاثية، بدعم من وكالة الإمارات للمساعدات الدولية، في إطار عملية “الفارس الشهم 3”.
وتشمل الشحنة خمس سيارات إسعاف وكميات كبيرة من المواد الغذائية، وسيتم نقل هذه المساعدات برا إلى معبر رفح البري تمهيدا لإدخالها إلى قطاع غزة وتوزيعها على المتضررين من العدوان.
ويجري تنسيق كامل بين السلطات الإماراتية والمصرية لضمان إيصال هذه المساعدات بسرعة وكفاءة، في خطوة تعكس عمق العلاقات الأخوية بين البلدين، والحرص المشترك على دعم الجهود الإنسانية في القطاع.
ومن جانبها، تواصل مصر أداء دورها المحوري في دعم الشعب الفلسطيني، من خلال تكثيف جهودها لإيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة، رغم التحديات الميدانية والظروف الأمنية المعقدة.
فقد سخرت الدولة المصرية، عبر أجهزتها المعنية، إمكاناتها اللوجستية والبشرية لضمان تدفق المساعدات عبر معبر رفح البري، الذي يمثل شريان الحياة الرئيسي لسكان القطاع.
وتعمل القاهرة بشكل متواصل على التنسيق مع الجهات الدولية والعربية لضمان سرعة إدخال المواد الإغاثية، بما في ذلك الغذاء والدواء والمستلزمات الطبية، فضلا عن استقبال الجرحى والمصابين للعلاج في المستشفيات المصرية.
وتعكس هذه الجهود التزام مصر التاريخي بالقضية الفلسطينية، وحرصها الدائم على تخفيف معاناة المدنيين، ودعم الاستقرار الإنساني في غزة.
والجدير بالذكر، أن أفادت قناة “القاهرة الإخبارية” فى خبر عاجل نقلا عن إعلام إسرائيلي: الفرقة 36 ستنضم إلى القوات في مدينة غزة خلال الأيام المقبلة.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن الجيش الإسرائيلي يسيطر على نحو 80% من قطاع غزة، زاعمًا أن حركة حماس لا تزال في أكبر معاقلها بمدينة غزة، على حد تعبيره.
وفي وقت سابق، قال المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي إيفي دفرين، إن “فرق الجيش تواصل عملياتها في غزة وتدمر المنشآت التابعة لحماس”، كما نواصل إخلاء سكان قطاع غزة عبر محورين.