في وقت اعتاد المصريون على شراء الذهب كملاذ آمن، تبرز الفضة فجأة كلاعب جديد على ساحة الاستثمار، لتتحول من معدن مهمل في أعين كثيرين إلى “الحصان الرابح” كما يصفه بعض التجار، مدفوعة بارتفاع الإقبال عليها محلياً وعالمياً، ما دفع أسعارها إلى مستويات قياسية غير مسبوقة.

في منطقة وسط البلد بالقاهرة، يقف ماهر محمود، داخل إحدى محال بيع المجوهرات، قائلاً: “قررت الاتجاه مؤخراً لشراء سبائك الفضة بعد ارتفاع أسعار الذهب بشكل كبير يفوق استطاعتي”، مضيفاً:

“الفضة أسعارها في المتناول، وحتى لو المكسب مش زي الذهب، لكن على الأقل ستحافظ على قيمة فلوسي أحسن ما أشيلها في البيت”.

سعر الفضة يتجاوز 40 دولاراً للمرة الأولى منذ 2011

محلياً، واصلت أسعار الفضة مسارها الصعودي لتسجل مستويات غير مسبوقة، بعدما تضاعف سعر الغرام  4 مرات تقريباً خلال ثلاث سنوات فقط. ففي مايو 2022 بلغ السعر حوالي 12.2 جنيه، ليرتفع إلى 24.5 جنيه في 2023، ثم قفز العام الماضي إلى نحو 47 جنيهاً، قبل أن يواصل صعوده في العام الجاري متجاوزاً 64 جنيهاً، أي بزيادة تقارب 37% خلال عام واحد.

إقبال كثيف على الشراء

هاني ميلاد رئيس شعبة الذهب والمصوغات والمجوهرات في اتحاد الغرف التجارية، يقول إنه يوجد إقبال كثيف على مشتريات سبائك الفضة من الأفراد والشركات خلال العام الحالي تحديداً عن بقية السنوات الماضية مع انتشارها كملاذ آمن بين المصريين.

أضاف ميلاد في حديثه مع “الشرق” أن مخاطر الاستثمار في الفضة أكبر من الذهب بفعل التقلبات الشديدة في الأسعار، عكس الذهب الذي يتحرك في مسار صاعد طويل الأجل بسبب العوامل الرئيسية منها الاضطرابات الجيوسياسية ومعدلات الفائدة وسعر الدولار.

الذهب يزداد لمعاناً إن تمعنتم في تقاطع البيانات

“المكاسب في سبائك الفضة مضمونة، لكنها ليست أفضل من الذهب”، وفق رئيس الشعبة الذي أضاف أن التخزين عامل حاسم في مشتريات الفضة مقارنة بالذهب، بسبب الفارق الكبير في الأسعار، وتخزين الفضة يحتاج مساحات أكبر في الاستثمارات الكبرى.

أوضح ميلاد، أن النسبة الأكبر من سبائك الفضة في السوق المصرية صناعة محلية، مضيفاً: “جميع سبائك الفضة المدموغة في مصر مضمونة 100%، وليست سبائك (BTC) فقط، فهناك العديد من العلامات التجارية لتجارة الفضة وجميعها موثوقة وتحمل ختم مصلحة الدمغة والموازين”.

عالمياً، يسير سعر الفضة على خطى الذهب، فمنذ مطلع سبتمبر كسرت الأونصة حاجز 40 دولاراً للأوقية لأول مرة منذ 2011، بدعم من توقعات خفض الفيدرالي الأميركي للفائدة، ما جعل اقتناءها ملاذاً استثمارياً جديداً.

ارتفاع أسعار الذهب

أما مينا نوار، مالك شركة “نوار جالري” لتجارة المصوغات وأحد كبار المتعاملين مع شركة “BTC”، قال إن ارتفاع أسعار الذهب العالمية حفز إقبال المصريين على شراء سبائك الفضة خلال العام الحالي. وأضاف في حديثه مع “الشرق”: “الاستثمار في الفضة مربح، إذ وصلت الأسعار لأعلى مستوياتها في 14 عاماً مطلع سبتمبر الجاري”.

سعر الذهب قرب ذروته التاريخية والفضة تزيد مستواها القياسي

منذ بداية 2025، استفادت الفضة كغيرها من المعادن النفيسة وسط إقبال المستثمرين القوي على الملاذات الآمنة وسط التوترات الجيوسياسية والظروف المالية غير المستقرة.

استثمار “حديث العهد”

لكن الصورة ليست إيجابية لدى الجميع، حيث يرى إيهاب واصف، رئيس شعبة الذهب والمعادن الثمينة باتحاد الصناعات المصرية، أن الاستثمار في السبائك الفضية يُعد حديث العهد، لذا فإنه يصعب تقييم التجربة حالياً، أو الحديث عن مدى الإقبال عليها، إلا أنها خارج المنافسة مع الذهب من حيث الاستثمار.

واصف أضاف لـ”الشرق”، أن القيمة المضافة على الفضة بالنسبة لقيمتها الأساسية تُعتبر مرتفعة جداً، على عكس الذهب.

وأوضح واصف أن المجهود المتخذ في تصنيع سبائك الفضة هو نفس الجهد اللازم لتصنيع نظيراتها الذهبية، وبناءً على تلك المعطيات يتضح أن الربح من عملية إعادة بيع الفضة “صعب” حتى بعد فترات طويلة من التخزين، وفق واصف.

وفي منتصف يوليو، توقع محللو “سيتي غروب” ارتفاع سعر الفضة إلى 43 دولاراً للأوقية. وأشاروا إلى أن الارتفاع الأخير في أسعار الفضة ليس مجرد صفقة لتعويض الذهب، بل هو أيضاً انعكاس لأساسيات الفضة القوية.

أداة استثمار آمنة ومنخفضة السعر

على الجانب الآخر، يرى سامح عبد الحكيم، عضو شعبة الذهب بالغرف التجارية، أن مبيعات الفضة في السوق المحلية تشهد نمواً ملحوظاً لا يقل عن الذهب، نظراً لقدرتها على حفظ القيمة باعتبارها أداة استثمار آمنة وسعرها منخفض، ما شجع شريحة من المواطنين على الإقبال عليها.

وأضاف في حديثه لـ”الشرق” أن سعر أونصة الفضة عالمياً تجاوز 40 دولاراً مقابل 17 دولاراً فقط قبل ثلاث سنوات، وأشار إلى أن شركة “سام الإماراتية” بدأت مؤخراً طرح سبائك فضة بأوزان متنوعة تبدأ من 2.5 غرام وحتى كيلوغرام.

وأوضح أن الفضة تتميز عن الذهب بانخفاض كلفة الاستثمار فيها، إذ يمكن شراء أونصة وزنها 31.6 غرام بنحو 1990 جنيهاً فقط، مقارنة بما يتجاوز 150 ألف جنيه لأونصة الذهب، معتبراً أن الفضة تمثل “الحصان الرابح” خلال الفترة المقبلة.

شهية المستثمرين تجاه المعادن النفيسة تدعم أسعار الفضة والبلاتين

على الرغم من أن الذهب يظل الخيار التقليدي والأكثر أماناً للاستثمار طويل الأجل، إلا أن الفضة بدأت تفرض نفسها كبديل أقل تكلفة، يمنح صغار المدخرين فرصة الدخول إلى عالم المعادن الثمينة، مع مكاسب محتملة.

الفضة تجذب المستثمرين الأفراد في مصر

ناجي فرج، خبير صناعة الذهب والمجوهرات في مصر، قال لـ”الشرق”، إنه بعد ارتفاع أسعار الذهب مؤخراً بدأت شريحة كبيرة من الأفراد وصغار المستثمرين في مصر الاتجاه نحو الاستثمار في الفضة، وأضاف: “انتشرت حالياً سبائك فضة بنفس أوزان السبائك الذهبية”.

فرج أضاف أن مستويات الأرباح في الفضة متساوية مع الذهب، بل بدا جلياً الآن تفوق الإقبال على الفضة، بسبب ارتفاع أسعارها العالمية، والذي أصبح العامل الرئيسي المتحكم في تحديد أسعارها مثل الذهب.

واستند فرج أيضاً إلى ارتفاع أسعار غرام الفضة “عيار 925” وهو العيار الأكثر شيوعاً في صناعة المجوهرات بمصر، بنسبة 12% في سبتمبر مقابل أغسطس الماضي، ليتجاوز مستوى 67 جنيهاً.

هل تدر تجارة الفضة أرباحاً مثل الذهب؟ إليك ما تكشفه الأرقام

من أمام أحد محال بيع المجوهرات بالجيزة، يقول أدهم علي، موظف مصري، إنه اتجه مؤخراً لشراء سبائك فضية صغيرة الوزن، أونصة بوزن 31.1 غرام، كوسيلة ادخار رخيصة وآمنة، وإنه اتجه لهذا الأمر بعد نصائح من أصدقائه بالعمل، الذين قرروا خوض مغامرة الاستثمار في الفضة، وإنه يريد الاستثمار بمبلغ قيمته 100 ألف جنيه.

شاركها.