أعلنت الهيئة الملكية لمحافظة العلا عن شراكة جديدة مع جامعة غنت البلجيكية لغاية تطوير مشروع متطور يركز على “تحليل النقوش الأثرية“. يهدف هذا التعاون إلى إنشاء قاعدة بيانات رقمية شاملة لأول مرة، تتضمن جميع النقوش الأثرية المكتشفة في منطقة العلا، والتي تعود إلى مختلف الحضارات والعصور التاريخية. بدأ العمل في المشروع رسميًا في بداية شهر نوفمبر 2023، ويعد خطوة هامة نحو فهم أعمق لتاريخ المنطقة الغني.
يغطي المشروع منطقة محافظة العلا، الواقعة في منطقة المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية. وتهدف الهيئة الملكية لمحافظة العلا، المسؤولة عن إدارة وتطوير المنطقة كموقع تراثي وثقافي عالمي، إلى الاستفادة من أحدث التقنيات في مجال علم الآثار لتوثيق وترميم هذه الكنوز التاريخية.
أهمية مشروع تحليل النقوش الأثرية في العلا
تعتبر النقوش الأثرية مصادر أساسية لدراسة تاريخ الحضارات القديمة، فهي توفر معلومات مباشرة عن الحياة الاجتماعية والثقافية والدينية للمجتمعات التي أنتجتها. العلا، بتاريخها العريق الذي يمتد لآلاف السنين، تزخر بالنقوش التي تعود إلى حضارات مثل النبطية واللحيان والرومانية والإسلامية.
ولكن، تواجه عملية دراسة هذه النقوش تحديات كبيرة، منها تشتتها في مواقع مختلفة، وتدهورها نتيجة لعوامل الطبيعة، وصعوبة الوصول إليها. بالإضافة إلى ذلك، فإن تفسير هذه النقوش يتطلب خبرة متخصصة في اللغات القديمة وعلم الخطوط.
جسر بين الماضي والتكنولوجيا
ويهدف المشروع إلى التغلب على هذه التحديات من خلال استخدام تقنيات رقمية متطورة، مثل التصوير ثلاثي الأبعاد والتحليل الحاسوبي، لإنشاء سجل دقيق وشامل للنقوش. سيوفر هذا السجل الرقمي للباحثين والمهتمين إمكانية الوصول إلى هذه المصادر التاريخية بسهولة ويسر.
تشمل التقنيات المستخدمة في المشروع أيضًا تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي يمكنها المساعدة في التعرف على الأنماط والرموز في النقوش، والتنبؤ بمعانيها المحتملة. هذا سيساهم في تسريع عملية البحث والتنقيب عن معلومات جديدة حول تاريخ العلا.
تفاصيل التعاون بين الهيئة وجامعة غنت
سيقوم فريق من جامعة غنت، المتخصص في دراسة النقوش القديمة والتصوير الرقمي ثلاثي الأبعاد، بالعمل جنبًا إلى جنب مع فريق الهيئة الملكية لمحافظة العلا لجمع البيانات وتحليلها. تشمل مهام فريق الجامعة تدريب الكوادر السعودية على استخدام التقنيات الحديثة في مجال علم الآثار.
ويقدر حجم الاستثمار في هذا المشروع بملايين الريالات السعودية، ويعكس التزام الهيئة الملكية بتطوير البنية التحتية الأثرية في العلا، وتعزيز التعاون الدولي في مجال الحفاظ على التراث الثقافي. ومن المتوقع أن يستمر العمل في المشروع لعدة سنوات، مع مراحل متعددة لتحقيق الأهداف المنشودة.
تأثير المشروع على الأبحاث الأثرية والسياحة
من شأن قاعدة البيانات الرقمية التي سينتجها المشروع أن تحدث ثورة في مجال الأبحاث الأثرية في العلا، حيث ستتيح للباحثين من جميع أنحاء العالم دراسة النقوش بشكل أكثر شمولاً ودقة. بالإضافة إلى ذلك، ستساهم في تحديد وتنظيم المواقع الأثرية بشكل أفضل، مما يسهل عملية التنقيب والترميم.
“علم الآثار الرقمي” هو مجال حديث يشهد تطورات سريعة، ويساعد في توثيق وحماية المواقع الأثرية بشكل فعال. يمكن أن يؤدي هذا المشروع إلى اكتشافات جديدة حول تاريخ المنطقة وتراثها الثقافي.
بالإضافة إلى الأبعاد البحثية، من المتوقع أن يكون للمشروع تأثير إيجابي على قطاع السياحة في العلا. فمن خلال توفير معلومات دقيقة وشاملة عن النقوش والمواقع الأثرية، يمكن للهيئة الملكية جذب المزيد من السياح والزوار المهتمين بالتاريخ والثقافة، وبالتالي تعزيز النمو الاقتصادي في المنطقة. السياحة الثقافية ستستفيد بشكل كبير من هذا المشروع.
يُعد هذا المشروع جزءًا من رؤية المملكة العربية السعودية لعام 2030، والتي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل، وتطوير قطاعات جديدة مثل السياحة والثقافة. وتسعى الهيئة الملكية لمحافظة العلا إلى جعل العلا وجهة سياحية عالمية المستوى، تجمع بين الأصالة والتطور، والتراث والثقافة.
يتم حاليًا جمع وتوثيق البيانات الأولية للنقوش الأثرية، ومن المتوقع أن يتم إطلاق النسخة الأولى من قاعدة البيانات الرقمية في غضون عامين. ويتوقف التقدم النهائي للمشروع على مدى توافر الموارد المالية والبشرية، بالإضافة إلى التعاون المستمر بين الهيئة الملكية وجامعة غنت. يراقب الخبراء عن كثب التحديات اللوجستية المتعلقة بتوثيق النقوش في مواقع نائية ووعرة، فضلاً عن ضمان دقة الترجمة والتفسير.






