في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية وتقلص فعالية الأدوات الدبلوماسية التقليدية، باتت العقوبات الاقتصادية تمثل الأداة المفضلة لصناع القرار في عواصم العالم، رغم الجدل المستمر حول مدى قدرتها الفعلية على تغيير سلوك الدول المستهدفة.
تعرف العقوبات الاقتصادية بأنها “انسحاب متعمد ومستوحى من الحكومة من العلاقات التجارية أو المالية المعتادة، أو التهديد بالانسحاب منها”، بهدف معاقبة طرفٍ ما لانتهاكه الأعراف الدولية، أو لردعه عن ممارسات توسعية أو عدوانية، أو للضغط من أجل تحسين أوضاع حقوق الإنسان، وفق ما جاء في وثيقة صادرة عن مكتب الاقتصاد في لجنة التجارة الدولية الأميركية في مارس 2024.
العقوبات من التجميد المالي للعزل الشامل
تنقسم العقوبات إلى “أولية” (مباشرة) تفرضها الدولة مباشرة على الهدف عبر حظر الصادرات أو تجميد الأصول أو وقف المساعدات، و”ثانوية” (غير مباشرة) تستهدف أطرافاً ثالثة تتعامل مع الكيانات الخاضعة للعقوبات، ما يزيد من عزلة الجهة المستهدفة. وتتراوح العقوبات بين شاملة توقف العلاقات الاقتصادية كلياً، وأخرى انتقائية تركز على أفراد أو قطاعات محددة.
اقرأ أيضاً: عقوبات ترمب “الثانوية”: تهديد لروسيا أم ضغط على الحلفاء؟
وطبقت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة أنظمة عقوبات متعددة على مدى العقود الماضية، كان أبرزها العقوبات المفروضة على كوبا منذ 1962، وكوريا الشمالية بسبب برنامجها النووي، وروسيا بعد غزوها أوكرانيا في 2022.
انفجار في استخدام العقوبات بعد 2001
منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، تحولت العقوبات إلى “أداة رد أولى” بالنسبة لصناع القرار الأميركيين. ووفقاً لتقرير وزارة الخزانة الأميركية، ارتفع عدد الكيانات المدرجة على قوائم العقوبات بأكثر من 933% بين عامي 2000 و2021، في دلالة على توسع نطاق استخدام هذا السلاح المالي، وأن العقوبات تمثل وسيلة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية والأمن القومي عندما تكون الدبلوماسية غير كافية، والخيارات العسكرية باهظة الثمن أو محفوفة بالمخاطر، وفق الوثيقة.
عشرات البرامج الأميركية الخاصة بالعقوبات
تتولى وزارة الخزانة الأميركية، عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، تنفيذ عشرات البرامج الخاصة بالعقوبات. وتشمل قائمة البرامج النشطة حالياً 39 برنامجاً تستهدف دولاً مثل إيران وسوريا وكوريا الشمالية وروسيا، بالإضافة إلى منظمات وأفراد صنفتهم واشنطن على أنهم إرهابيون أو متورطون في تجارة المخدرات أو تهديدات إلكترونية.
اقرأ أيضاً: عقوبات أوروبية على قطب نفط إيراني لدوره في تجارة الخام الروسي
ويقوم المكتب أيضاً بإصدار “قائمة الأفراد والكيانات المحظورة” (SDNs)، التي تشمل الأشخاص والكيانات الذين جُمدت أصولهم في الولايات المتحدة ويُحظر التعامل معهم من قبل المواطنين أو الشركات الأميركية.
بين الردع والتصعيد.. فعالية مشروطة
رغم الزخم المتزايد في فرض العقوبات، تبقى فعاليتها محل جدل. فنجاحها يتوقف على عوامل مثل دعم الحلفاء الدوليين، وتكامل الإجراءات القانونية، وقدرة الدول المستهدفة على الالتفاف على العقوبات أو تبني استراتيجيات مضادة.
فعلى سبيل المثال، ردت روسيا على العقوبات الغربية باستخدام تشريعات مضادة تمنع الشركات والأفراد الروس من التعامل مع كيانات مصنفة على أنها “غير ودية”، كما منعت تصدير بعض الموارد إلى تلك الجهات.