أعلنت محكمة العدل الدولية اليوم الجمعة أنها ستبدأ النظر في قضية تاريخية تتهم ميانمار بارتكاب الإبادة الجماعية بحق أقلية الروهينغا المسلمة، وذلك في الفترة من 12 إلى 29 يناير/كانون الثاني المقبل. وتعتبر هذه القضية أول دعوى إبادة جماعية تُعرض على المحكمة بشكل موضوعي منذ أكثر من عقد، مما يثير اهتمامًا قانونيًا وسياسيًا واسعًا.

وستعقد الجلسات في مقر المحكمة في لاهاي بهولندا، حيث ستقدم غامبيا، الدولة التي رفعت الدعوى، حججها القانونية أولاً. تأتي هذه الخطوة في ظل تزايد الضغوط الدولية على ميانمار للتحقيق في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان ضد الروهينغا.

نفي ارتكاب الإبادة الجماعية وتداعيات القضية

تنفي ميانمار بشدة ارتكاب أي أعمال إبادة جماعية، وتؤكد أن عملياتها العسكرية كانت تستهدف جماعات مسلحة. ومع ذلك، فإن القضية أمام محكمة العدل الدولية تحمل أهمية كبيرة، حيث يمكن أن تؤدي إلى إصدار حكم ملزم قانونًا، وقد يكون له تأثير على مستقبل العلاقات الدولية فيما يتعلق بجرائم الإبادة الجماعية.

بدأت هذه القضية في عام 2019 عندما رفعت غامبيا الدعوى بدعم من منظمة التعاون الإسلامي، مستندة إلى اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948. تعتبر هذه الاتفاقية حجر الزاوية في القانون الدولي المتعلق بحماية الجماعات العرقية والدينية من الإبادة.

خلفية القضية ونتائج التحقيقات

تستند القضية إلى نتائج بعثة تقصي حقائق تابعة للأمم المتحدة، والتي خلصت إلى أن الحملة العسكرية التي نفذتها ميانمار في عام 2017 ضد الروهينغا تضمنت أفعالًا ترقى إلى الإبادة الجماعية. أدت هذه الحملة إلى فرار حوالي 730 ألفًا من الروهينغا إلى بنغلاديش، حيث يعيشون في مخيمات للاجئين في ظروف إنسانية صعبة.

وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، شملت الانتهاكات القتل والاغتصاب والتعذيب والحرق المتعمد للممتلكات، بالإضافة إلى فرض ظروف معيشية قاسية تهدف إلى تدمير الروهينغا كجماعة. تعتبر هذه الأفعال، إذا ثبتت، انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.

أهمية القضية في سياق القانون الدولي

تعتبر هذه القضية ذات أهمية خاصة لأنها أول دعوى إبادة جماعية تنظر فيها محكمة العدل الدولية منذ أكثر من 10 سنوات. كما أنها تأتي في وقت يشهد فيه العالم تصاعدًا في الصراعات والانتهاكات لحقوق الإنسان، مما يجعل الحاجة إلى تطبيق القانون الدولي أكثر إلحاحًا.

بالإضافة إلى ذلك، قد يكون لهذه القضية تأثير على الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام المحكمة نفسها، والتي تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة. قد تضع السوابق القانونية التي ستترسخ في قضية الروهينغا معايير جديدة لتفسير وتطبيق اتفاقية منع الإبادة الجماعية.

ومن الجدير بالذكر أن محكمة العدل الدولية قد خصصت ثلاثة أيام إضافية للاستماع إلى شهود، على أن تعقد هذه الجلسات خلف أبواب مغلقة. يهدف هذا الإجراء إلى حماية الشهود وضمان نزاهة الإجراءات.

تعتبر قضية الإبادة الجماعية ضد الروهينغا اختبارًا حقيقيًا لفعالية القانون الدولي وقدرته على محاسبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية. كما أنها تسلط الضوء على أهمية حماية الأقليات العرقية والدينية من العنف والتمييز.

من المتوقع أن تستمر جلسات الاستماع حتى 29 يناير/كانون الثاني، وبعد ذلك ستبدأ المحكمة في المداولة وإصدار حكمها. لا يمكن التنبؤ بالنتيجة النهائية للقضية، ولكن من المؤكد أنها ستكون لها تداعيات كبيرة على مستقبل حقوق الإنسان والقانون الدولي. سيراقب المجتمع الدولي عن كثب تطورات هذه القضية، ويتوقع أن تصدر المحكمة حكمًا عادلاً ومنصفًا يضمن محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات المرتكبة ضد الروهينغا.

شاركها.