تلات نيعقوب- لا يمكن أن تمر من الطريق الضيقة بجبال الأطلس الشاهقة من دون أن تشعر برهبة من جبال ذات أحجار عملاقة يخيل إليك أنها ستسقط عليك في أية لحظة وتلقي بك في ذلك الوادي السحيق، خاصة في ظل تقلبات الطقس التي تشهدها المنطقة هذه الأيام.
فنحن نبعد عن جبل توبقال بنحو 40 كيلومترا فقط، وهو أعلى قمة في المغرب (4166 مترا)، وسابع أعلى قمة في القارة الأفريقية، وتحيط بنا سلسلة من الجبال الشاهقة تحتضن مئات من الدواوير التي يسكنها آلاف القرويين الذين عاشوا قبل عام تجربة مؤلمة مع زلزال بلغت درجته 7.2 على سلم ريختر.
والطريق التي تخترق هذه الجبال ضيقة وملتوية وذات منعطفات حادة، وقد دمر الزلزال عدة مقاطع منها، فيما تزيد الرياح القوية والأمطار العاصفية والأحجار المتساقطة أو تلك التي توشك أن تسقط من أعلى الجبال حالة تلك الطريق سوءا وخطورة.
نقطة البداية
إلى حدود بلدة ويرغان (نحو 70 كيلومترا جنوبي مراكش)، تبدو الطريق ممهدة سالكة، كما تصادفك أشغال نشطة لتوسيع الطريق وتعبيدها.
لكن بمجرد أن تغادر هذه القرية وسدها الذي يضفي على المنطقة الجبلية جمالا مريحا، وتقتحم أعماق هذه المنطقة الجبلية حتى تفاجئك حالة الطريق غير الممهدة كما بدت قبل عام، وتصادفك أحجار تملأ الطريق لم ترها عند مجيئك منها ساعات قليلة من قبل، كما تتفاجأ باللمسة الخاصة التي تركتها عوامل التعرية على هذا المكان النائي.
التنقل بهذه المناطق صعب بالنسبة للقرويين، وتسيطر الدراجات النارية على الطريق، فهي الوسيلة الأنسب بالنسبة للأفراد للتنقل بين دواويرهم والمراكز الحضرية على الطريق، لسهولة مرورها عبر الطريق الضيقة، ولاستهلاكها المعقول للبنزين، ولأن ثمنها يبقى ضمن طاقة القدرة الشرائية للسكان.
أكد لنا عدد منهم التقيناهم خلال طريقنا إلى إغيل -بؤرة زلزال العام الماضي- أنهم كانوا يأملون أن تنتهي السلطات المختصة من أشغال إعادة تهيئة أجزاء كبيرة من الطريق التي تخترق جبال الحوز خلال هذا العام، لكن الذي وقع هو أن الأشغال ظلت تراوح مكانها تقريبا في جل مقاطع الطريق.
أولويات؟
وبحسب متابعين للملف، فأولوية الحكومة كانت لتوفير دفعات الدعم المالي للأهالي المتضررين من الزلزال والمقدر في 2500 درهم شهريا (250 دولارا) والتي ستنتهي هذا الشهر، وذلك إلى جانب توفير الدعم المخصص لبناء منازل مقاومة للزلازل بدلا من تلك التي تضررت، والمقدرة بـ 80 ألف درهم (8 آلاف دولار) لمن تضرر بيته بشكل جزئي، و140 ألف درهم (14 ألف دولار) لمن تهدم بيته بشكل كامل.
وذلك إلى جانب توفير الدعم لأصحاب المتاجر ومراكز الإيواء وأرباب الصناعة التقليدية، وهي أنشطة تجارية تشكل رافدا اقتصاديا مهما بالمنطقة.
وكان الديوان الملكي قد أكد العام الماضي في بيان أن الميزانية المخصصة لبرنامج إعادة إعمار المناطق المتضررة من زلزال القرن تبلغ 120 مليار درهم (نحو 12 مليار دولار)، على مدى 5 سنوات، مشيرا إلى أن البرنامج يستهدف نحو 4.2 ملايين نسمة في 6 أقاليم تضررت من الزلزال، وهي: الحوز ومراكش وتارودانت وشيشاوة وأزيلال وورزازات.
الوزارة توضح
من جهتها أكدت وزارة التجهيز والماء في تصريح خاص للجزيرة نت أن الزلزال -وهزاته الارتدادية- ألحق أضرارا جسيمة بالبنية التحتية الأساسية في المناطق المتضررة، مما أثر سلبا على مختلف طرق المواصلات.
وأوضحت أن فرقها المحلية المتخصصة لم تتوقف عن التدخل من أجل فتح الطرق والمسالك المقطوعة في وجه حركة السير، حيث خصصت منذ الساعات الأولى للزلزال أسطولا مكونا من 218 آلية ثقيلة (آلات حفر، جرافات، وكاسحات وشاحنات) وزعت على مختلف المقاطع الطرقية المتضررة.
وقد مكنت هذه التعبئة في غضون 48 ساعة من حدوث الكارثة، من إعادة فتح أكثر من 90% من الطرق المتضررة (حوالي 400 كيلومتر). وخلال الأيام الموالية، واصلت هذه الفرق جهودها لإعادة حركة المرور على 65 مقطعا طرقيا بطول 907 كيلومتر.
وتؤكد مصالح الوزارة أنها بدأت في تنزيل إجراءين مهمين وافقت عليهما اللجنة الحكومية المختصة، أولهما إعادة تأهيل وتحديث الطريق الوطنية رقم 7 التي تربط بين المناطق الأكثر تضررا من الزلزال.
وتشير الوزارة إلى أنه بعد إعداد الدراسات التقنية وملفات طلبات عروض الشركات المتخصصة وكذا تعبئة الموارد المالية، يتم حاليا إنجاز أشغال التوسيع والتقوية وكذا معالجة محيط الطريق على طول 64 كيلومتر بين ويرغان وتلات نيعقوب وبين تيزي نتاست وتافنكولت، بكلفة إجمالية تبلغ حوالي 700 مليون درهم (نحو 72 مليون دولار ونصف).
تفاؤل
وثاني تلك الإجراءات يتمثل في إنشاء وحدة تدخل متخصصة بجهة درعة تافيلالت وتوفير معدات إضافية للجهات الثلاثة المعنية: مراكش آسفي وسوس ماسة وبني ملال خنيفرة. وستوفر هذه العملية، الذي تبلغ قيمتها 160 مليون درهم (نحو 16 مليون دولار ونصف)، 102 وحدة إضافية من معدات التدخل الميداني لمواجهة مختلف الأزمات المحتملة.
وفي إطار رؤيتها لتنمية المناطق المتضررة، تؤكد وزارة التجهيز والماء أنها شرعت في تحديد وإعداد برنامج لإعادة بناء وصيانة البنية التحتية الطرقية والذي يهم حوالي 800 كيلومتر من الطرق مع تحديث 129 جسرا، مع الأخذ بعين الاعتبار عامل المخاطر الزلزالية التي تفرض الالتزام بشروط تقنية خاصة لبناء هذه الهياكل الحساسة في هذه المناطق المعرضة لمخاطر زلزالية.
خطط وأرقام تبعث على التفاؤل، لكن بالنسبة للقرويين هنا من سكان الجبال، ما يدخل السعادة على قلوبهم وعيونهم هو رؤية الآليات الضخمة وهي تحفر وتكسر الحجارة، ثم آليات تعبد الطرق ينتظرونها بشوق، فهي شريان حياة لدواويرهم المشتتة في قمم هذه الجبال الشاهقة.