أوقفت السلطات الصينية رسميًا 18 قياديًا في كنيسة صهيون، وهي كنيسة منزلية كبيرة، مما يمهد الطريق لملاحقتهم قضائيًا واحتمالية الحكم عليهم بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات. تأتي هذه الاعتقالات كأحدث تطور في حملة قمع متزايدة تستهدف المسيحيين في الصين، وتعتبر الأكبر من نوعها منذ سبع سنوات. وتثير هذه القضية مخاوف دولية بشأن حرية الدين في الصين.
وقعت الاعتقالات في منتصف أكتوبر، وشملت ما يقرب من 30 قسًا وموظفًا يعملون في الكنيسة. ووفقًا لمنظمة Christian NGO، فإن التوقيفات حدثت دون إفصاح عن تفاصيل التهم الموجهة، مما يزيد من غموض وضع المعتقلين. وتأتي هذه الخطوة في سياق جهود الحكومة الصينية المتسارعة لتنظيم الأنشطة الدينية وفرض رقابة صارمة على الجماعات الدينية.
تصاعد القمع ضد الكنائس المنزلية والمسيحيين في الصين
تعتبر كنيسة صهيون من أبرز الكنائس المنزلية في الصين، وهي كنائس تعمل خارج نطاق الكنيسة المسيحية الثلاثية التي تسيطر عليها الدولة. ولطالما تعرضت هذه الكنائس لضغوط متزايدة من الحكومة الصينية للانضمام إلى الكنيسة الرسمية أو مواجهة عواقب وخيمة. تشير التقارير إلى أن الحكومة الصينية تعتبر هذه الكنائس تهديدًا للاستقرار الاجتماعي والسياسي.
التهم الموجهة ودوافع الاعتقالات
أفادت منظمة ChinaAid، وهي منظمة غير ربحية لحقوق الإنسان، بأن القياديين في الكنيسة تم اعتقالهم بتهم “ذات دوافع سياسية”. وأوضحت المنظمة أن هؤلاء القساوس والموظفين يتم التعامل معهم كـ”مجرمين” لمجرد إشرافهم على كنيسة كبيرة غير مسجلة ترفض الخضوع لسيطرة الحزب الشيوعي الصيني (CCP) ورقابته.
صرح الدكتور بوب فو، مؤسس ورئيس ChinaAid، بأن هذه الاعتقالات تمثل “معلمًا باردًا في حرب الحزب الشيوعي الصيني الشاملة ضد المسيحية في الصين”. وأضاف أن “جريمتهم الوحيدة هي التبشير بإنجيل يسوع المسيح ورعاية قطيع الله ورفض تحويل كنيسته إلى أداة دعائية للحزب الشيوعي”.
تأتي هذه الاعتقالات في ظل تصاعد القيود على الحريات الدينية في الصين، بما في ذلك قوانين جديدة تشترط تسجيل جميع الأنشطة الدينية الحكومية. وقد أثارت هذه القوانين انتقادات واسعة من المنظمات الحقوقية الدولية التي تعتبرها انتهاكًا لحرية العقيدة والتعبير.
ردود الفعل الدولية
أدان وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بشدة اعتقالات أعضاء كنيسة صهيون في أكتوبر، وطالب الحكومة الصينية بإطلاق سراحهم. وتعكس هذه الإدانة الاهتمام المتزايد الذي توليه الولايات المتحدة والجهات الدولية الأخرى لقضايا حقوق الإنسان والحريات الدينية في الصين.
في سياق ذي صلة، أفادت تقارير إعلامية بأن مقاطعة صينية تفرض على أتباع الأديان التسجيل في تطبيق “الدين الذكي” للمشاركة في العبادة، في إطار إضافي لتوسيع الرقابة الحكومية على الممارسات الدينية. كما أشار تقرير إلى اعتقال قس في كنيسة منزلية أخرى وهو والد لمواطنين أمريكيين.
تشير التقديرات الدولية، وفقًا لمنظمة Open Doors التي تدعم المؤمنين المضطهدين، إلى وجود أكثر من 96 مليون مسيحي في الصين. هؤلاء المسيحيون يواجهون مستويات متفاوتة من القمع والتمييز، اعتمادًا على المنطقة وحجم الكنيسة وموقفها تجاه الحكومة.
بالإضافة إلى الاعتقالات الجماعية، تواجه الكنائس المسيحية في الصين تحديات أخرى، بما في ذلك هدم الكنائس، ومصادرة الممتلكات، والتدخل في الشؤون الداخلية للكنيسة. وقد تسببت هذه الإجراءات في إغلاق العديد من الكنائس، وتشريد آلاف المسيحيين.
تعتبر هذه التطورات جزءًا من اتجاه أوسع نحو تشديد الرقابة على جميع جوانب الحياة في الصين، بما في ذلك الدين. وتسعى الحكومة الصينية إلى تعزيز “القيم الاشتراكية” وتقليل النفوذ الأجنبي، وتعتبر الأنشطة الدينية التي لا تتوافق مع هذه الأهداف تهديدًا لأمنها القومي.
في الوقت الحالي، من المتوقع أن تبدأ الإجراءات القانونية ضد قياديي كنيسة صهيون في غضون أسابيع. ومع ذلك، تظل هناك حالة من عدم اليقين بشأن مسار القضية والأحكام التي قد تصدر. من المهم مراقبة تطورات هذه القضية عن كثب، والضغط على الحكومة الصينية لضمان محاكمة عادلة وشفافة للمعتقلين، وحماية حقوقهم الدينية الأساسية، ومعالجة قضايا الحرية الدينية في الصين. كما يجب مراقبة ردود فعل المجتمع الدولي على هذه الاعتقالات وتأثيرها المحتمل على العلاقات بين الصين والدول الأخرى.
تبقى قضية المسيحية في الصين تحت المجهر، وتعد هذه الاعتقالات بمثابة تذكير صارخ بالتحديات التي يواجهها أتباع العقيدة في البلاد.






