تستعد الصين لتنفيذ قواعد أكثر صرامة لتنظيم استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تحاكي القدرات البشرية، وذلك بهدف ضمان التزام هذه الأنظمة بالمعايير الأخلاقية والأمنية والشفافية. تأتي هذه الخطوة في ظل النمو السريع لقطاع الروبوتات الشبيهة بالبشر وتزايد المخاوف بشأن تأثيرها المحتمل على المجتمع والأمن القومي. أعلنت هيئة مراقبة الفضاء السيبراني الصينية عن هذه المقترحات في بيان رسمي يوم السبت، وفتحت باب التشاور العام بشأنها.
تهدف هذه القواعد الجديدة، التي ستطبق على الشركات التي تقدم خدمات تعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي، إلى حماية المستخدمين وضمان عدم استخدام هذه التقنيات لنشر معلومات مضللة أو تهديد الاستقرار الاجتماعي. وتشمل الإجراءات المقترحة إلزام مقدمي الخدمات بإبلاغ المستخدمين بوضوح عند تفاعلهم مع نظام ذكاء اصطناعي، وتذكيرهم بذلك بشكل دوري، خاصةً إذا ظهرت علامات على الاعتماد المفرط على هذه الأنظمة.
تنظيم الذكاء الاصطناعي في الصين: نحو بيئة آمنة وموثوقة
تعتبر الصين من الدول الرائدة في مجال تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي، حيث تستثمر الحكومة بشكل كبير في هذا القطاع الاستراتيجي. يهدف هذا الاستثمار إلى تعزيز النمو الاقتصادي وزيادة القدرة التنافسية العالمية للصين في مختلف المجالات. ومع ذلك، تدرك السلطات الصينية أيضًا المخاطر المحتملة المرتبطة بهذه التقنيات، وتسعى جاهدة لإنشاء إطار تنظيمي قوي يضمن استخدامها بشكل مسؤول وآمن.
متطلبات الامتثال الجديدة لمقدمي الخدمات
وفقًا لمسودة القواعد المنشورة، يجب على الشركات إجراء تقييمات شاملة للأمن والمخاطر الأخلاقية قبل إطلاق أي ميزات جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي. يتضمن ذلك تقديم تقارير مفصلة إلى إدارة الفضاء السيبراني على مستوى المقاطعة. كما يتعين على الشركات التي تتجاوز خدماتها مليون مستخدم مسجل أو 100 ألف مستخدم نشط شهريًا الالتزام بمتطلبات إبلاغ إضافية.
تؤكد الهيئة على ضرورة أن تلتزم أنظمة الذكاء الاصطناعي بـ”القيم الاشتراكية الجوهرية” وتجنب نشر أي محتوى يتعارض مع الأمن القومي أو النظام الاجتماعي. يشمل ذلك حظر المحتوى الذي يروج للعنف أو التمييز أو الأفكار التي تعتبرها الحكومة الصينية ضارة. هذه القيود تتماشى مع الجهود الأوسع التي تبذلها الصين للسيطرة على المعلومات عبر الإنترنت.
التحذير من “فقاعة” الروبوتات الشبيهة بالبشر
أعربت السلطات الصينية عن قلقها بشأن النمو السريع وغير المنظم لقطاع الروبوتات الشبيهة بالبشر، محذرة من احتمال حدوث “فقاعة” في هذا المجال. ويرجع هذا القلق إلى المخاوف بشأن جودة هذه الروبوتات وقدرتها على تلبية احتياجات المستخدمين، بالإضافة إلى المخاطر الأمنية والأخلاقية المحتملة. تأتي هذه التحذيرات في الوقت الذي تشهد فيه الصين إقبالًا متزايدًا على الروبوتات الشبيهة بالبشر من قبل الشركات والمؤسسات الحكومية.
بالإضافة إلى ذلك، تشير التقارير إلى أن هذه القواعد الجديدة قد تؤثر على الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث قد تجد صعوبة في الامتثال لمتطلبات الامتثال المعقدة والمكلفة. ومع ذلك، يرى البعض أن هذه القواعد ضرورية لضمان التنمية المستدامة والمسؤولة لهذا القطاع الحيوي. الاستثمار في الذكاء الاصطناعي التوليدي يمثل فرصة كبيرة للصين، ولكن يجب أن يتم ذلك بطريقة تحمي مصالحها الوطنية وتضمن سلامة مواطنيها.
تعتبر الشفافية عنصرًا أساسيًا في هذه القواعد، حيث يجب على الشركات توضيح كيفية عمل أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها وكيفية جمع البيانات واستخدامها. يهدف هذا إلى تمكين المستخدمين من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن استخدام هذه التقنيات وحماية حقوقهم. كما يتطلب ذلك من الشركات تطوير آليات فعالة لمعالجة شكاوى المستخدمين والاستجابة لها.
تأتي هذه الخطوة في سياق عالمي متزايد من التدقيق التنظيمي في مجال الذكاء الاصطناعي. فقد بدأت العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في تطوير قوانين ولوائح تهدف إلى تنظيم استخدام هذه التقنيات وضمان سلامتها وموثوقيتها. تسعى الصين من خلال هذه القواعد إلى أن تكون في طليعة الدول التي تتبنى نهجًا تنظيميًا استباقيًا في هذا المجال.
من المتوقع أن تستمر فترة التشاور العام حول هذه المقترحات حتى 25 يناير، مما يتيح للشركات والمؤسسات والأفراد تقديم ملاحظاتهم واقتراحاتهم. بعد انتهاء فترة التشاور، ستقوم هيئة مراقبة الفضاء السيبراني الصينية بمراجعة الملاحظات الواردة وإجراء التعديلات اللازمة قبل إصدار النسخة النهائية من القواعد. من غير الواضح حتى الآن كيف سيتم تطبيق هذه القواعد وما هي العقوبات التي ستفرض على الشركات المخالفة، ولكن من المؤكد أنها ستشكل نقطة تحول في تنظيم قطاع الذكاء الاصطناعي في الصين.
ما يجب مراقبته في المستقبل القريب هو رد فعل الشركات العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي على هذه المقترحات، وكيف ستتكيف مع المتطلبات الجديدة. كما يجب متابعة التطورات التنظيمية في الدول الأخرى، وكيف ستؤثر على المشهد العالمي للذكاء الاصطناعي. الاستثمار في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي الآمنة والموثوقة سيظل أولوية قصوى للصين في السنوات القادمة.






