يُتوقع أن تُحدث حزمة القيود الجديدة التي أعلنتها الصين على تصدير البطاريات آثاراً كبيرة على الشركات الأميركية.

فبعد أن استخدمت بكين سابقاً العناصر الأرضية النادرة كأداة في الحرب التجارية مع واشنطن، حددت الصين –بفضل موقعها المهيمن في صناعة البطاريات– نقطة ضغط جديدة في المحادثات التجارية، في وقت تزداد حاجة الولايات المتحدة إلى حلول تخزين الطاقة لدعم مراكز البيانات واستقرار الشبكة الكهربائية.

اقرأ أيضاً: الصين تستعرض نفوذها في سلاسل إمداد البطاريات بقيود تصدير جديدة

هيمنة الصين على سلاسل توريد البطاريات

القيود، التي تدخل حيّز التنفيذ في 8 نوفمبر، تشمل جزءاً واسعاً من سلسلة توريد البطاريات، إذ تضم بطاريات الليثيوم-أيون واسعة النطاق المستخدمة في تخزين الطاقة، إضافة إلى المواد المكوِّنة للأقطاب الموجبة والسالبة، وآلات تصنيع البطاريات، وهي جميعها تقنيات تمتلك فيها الصين تفوقاً واضحاً.

وكما في القيود السابقة، تتطلب القواعد الجديدة من شركات البطاريات الحصول على تراخيص من وزارة التجارة الصينية قبل تصدير منتجاتها، وهو نظام يسمح لبكين بتسليح صادراتها بشكل انتقائي.

ديفيد فيكلينغ: خطة مارشال الصينية تعمل بالبطاريات

قال ماثيو هيلز، المحلل المتخصص في التجارة وسلاسل الإمداد لدى “بلومبرغ إن إي إف” (BloombergNEF): “رغم أن هذه الإجراءات لا تؤثر على نطاق واسع من الصناعات مثل غيرها من القيود الصينية على الصادرات، فإن هيمنة الصين على سلاسل توريد البطاريات تعني أنها قادرة على الضغط بقوة، وهو ما سيؤثر على الشركات الأميركية سريعاً”.

أميركا تعتمد على الصين في بطاريات الليثيوم أيون

في الأشهر السبعة الأولى من 2025، شكّلت بطاريات الليثيوم-أيون الصينية المخصصة لشبكات الكهرباء نحو 65% من واردات الولايات المتحدة، وفقاً لأحدث بيانات “بلومبرغ إن إي إف”. وأوضح محللون أن هذه الأنواع من البطاريات ستتأثر بالقيود الجديدة.

البطاريات تُعدّ عنصراً حيوياً للولايات المتحدة في ظل ارتفاع الطلب على الطاقة الناتج عن طفرة الذكاء الاصطناعي. فقد تضاعف استهلاك الكهرباء في مراكز البيانات الأميركية بين عامي 2017 و2023، بحسب تقرير صادر عن مختبر “لورنس بيركلي الوطني”، الذي أشار إلى أن هذا الرقم قد ينمو بنحو الضعف أو ثلاث مرات بحلول 2028.

سوق الليثيوم المتقلبة ينتظرها مزيد من المفاجآت

ورغم أن طفرة الذكاء الاصطناعي في الصين تواجه قيوداً بسبب نقص الشرائح الأميركية المتقدمة، قالت إميلي كيلكريز، مديرة برنامج الطاقة والاقتصاد والأمن في مركز الأمن الأميركي الجديد، إن “العنصر المقيد في الولايات المتحدة يتمثل في الطلب على الطاقة لتشغيل البنية التحتية لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي”.

قدرات تخزين الكهرباء

تساعد البطاريات فائقة القدرة في تخزين فائض الطاقة المتجددة وإطلاقها عند الحاجة، ما يساهم في تجنب انقطاع التيار الكهربائي وتعزيز استقرار الشبكة. وبعد أن كانت شبه معدومة قبل عقد، بلغت قدرة البطاريات على مستوى المرافق في الولايات المتحدة 26 غيغاواط في 2024. وفي تكساس وحدها، دخلت الخدمة العام الماضي طاقة تخزين تبلغ 4 غيغاواط –تكفي لتزويد نحو 3 ملايين منزل بالكهرباء.

تُقدّر “بلومبرغ إن إي إف” أن ما يصل إلى 136 غيغاواط من القدرات الجديدة سيُضاف في أنحاء البلاد خلال العقد المقبل. وقال هيلز إن معظم هذه الإمدادات سيأتي من الصين ولا يمكن استبداله بسهولة من دول أخرى.

طلب أميركي قوي على تخزين الطاقة.. وقدرات محدودة

رغم نمو قدرة الولايات المتحدة على تصنيع البطاريات خلال السنوات الأخيرة، فإنها لا تزال غير كافية لتلبية الطلب المحلي على تخزين الطاقة. كما أن هذه المصانع ستتأثر أيضاً بالقيود الصينية الجديدة، إذ تسيطر الصين على نحو 96% من القدرة الإنتاجية العالمية للأنودات و85% من الكاثودات، وفقاً لـ”بلومبرغ إن إي إف”.

الصين تعزز هيمنتها على الليثيوم بخطط لتقييد تصدير التكنولوجيا

قال كوري كومبس، رئيس أبحاث المعادن الحرجة وسلاسل الإمداد في شركة “تريفـيوم تشاينا” (Trivium China)، إن إدراج هذه المكونات الأساسية في الإجراءات الصينية يمثل “تصعيداً كبيراً”، لأن الشركات خارج الصين تعتمد عليها إلى حدّ كبير.

شركات أميركية في مرمى قيود الصين

ترى سيلينا ميكولايتشاك، المسؤولة التنفيذية السابقة التي أشرفت على تصنيع البطاريات لدى “تسلا” و”باناسونيك”، أن “عدداً كبيراً من مصانع البطاريات التي أُنشئت في جنوب شرق الولايات المتحدة سيتأثر بهذه الإجراءات، إذ تعتمد الشركات على هذه المواد الخام مباشرةً”.

تراجع سعر سهم شركة “فلوانس إنرجي” (Fluence Energy) بأكثر من 12% يوم الجمعة –وهو أكبر انخفاض يومي منذ 12 أغسطس– بينما تراجعت أسهم “تسلا” بنسبة 5%. وتعتمد الشركتان جزئياً على مكونات البطاريات الصينية.

قال دينيس فارس، الرئيس التنفيذي لشركة “دراغونفلاي إنرجي” (Dragonfly Energy)، التي تمتلك مصنع تجميع في نيفادا، إن الإجراءات الصينية “تضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى سلسلة الإمداد العالمية الضيقة بالفعل، وتؤكد أهمية تسريع الابتكار المحلي”، مضيفاً أن شركته “تعمل بنشاط على تقليل الاعتماد على المكونات الصينية ضمن خطتها طويلة الأمد”.

خطر يهدد صناعة البطاريات الصينية

قد تُدخل القيود أيضاً صناعة البطاريات الصينية، التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، في دائرة الخطر. ففي ظل فائض الطاقة الإنتاجية في الداخل، أصبحت الشركات الصينية تعتمد على الأسواق الخارجية بشكل متزايد، ما يجعل “من غير الواضح كيف تعتزم الصين تطبيق نظامها الجديد”، بحسب برايان بيل، الباحث في السياسات والجغرافيا السياسية لدى “بنشمارك مينيرال إنتليجنس” (Benchmark Mineral Intelligence).

ويرى محللون أن الإجراءات الصينية تمثل مصدر ضغط رئيسياً في المفاوضات التجارية، كما أنها وسيلة للحفاظ على ميزتها التنافسية.

قالت إليريا ماتسوكو، الزميلة البارزة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية والمتخصصة في صناعة الطاقة النظيفة الصينية، إن “الصين كانت واضحة جداً بشأن عدم رغبتها في التخلي عن تقنياتها الأساسية”، مضيفة: “إنهم يسعون فعلاً إلى أن تصبح بلادهم القوة الرائدة في هذه الصناعة لعقود قادمة”.

وسيعتمد مدى استخدام الصين لقوتها في سوق البطاريات جزئياً على نتائج المحادثات التجارية. فقد سمحت بكين باستئناف شحنات العناصر الأرضية النادرة إلى الولايات المتحدة بعد التوصل إلى اتفاق مع إدارة الرئيس دونالد ترمب في يونيو الماضي.

كان من المقرر أن يلتقي ترمب والرئيس شي جين بينغ في كوريا الجنوبية في وقت لاحق من هذا الشهر لعقد اتفاق تجاري جديد، لكن ترمب قال يوم الجمعة في سلسلة منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي إنه “لا يرى سبباً” لحضور الاجتماع، وهدّد بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100% على الصين رداً على أحدث القيود التي فرضتها.

شاركها.