مع دخول الذكاء الاصطناعي والفضاء الرقمي بقوة في عالم الإعلام، لا يزال مستقبل الصحافة المطبوعة في سوريا يثير التساؤلات. تستعد الدولة السورية اليوم الاثنين لإطلاق أول صحيفة رسمية بعد سنوات من التغييرات السياسية والاجتماعية، في خطوة تهدف إلى إعادة إحياء هذا الشكل التقليدي من الإعلام.
يأتي هذا الإعلان في وقت يشهد فيه الإعلام السوري تحولاً كبيراً، مع تزايد الاعتماد على المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي كمصادر رئيسية للأخبار والمعلومات. ومع ذلك، يرى البعض أن الصحافة المطبوعة لا تزال تحتفظ بأهميتها الخاصة، خاصة في حفظ الذاكرة التاريخية وتوثيق الأحداث الرسمية.
تاريخ عريق للصحافة المطبوعة في سوريا
يعود تاريخ الصحافة المطبوعة في سوريا إلى أكثر من 170 عامًا، حيث صدرت أول مطبوعة دورية في البلاد عام 1851 تحت اسم “مجلة مجمع الفوائد”. ورغم التحديات التي واجهتها في بداياتها، مثل قلة المطابع والقيود الرقابية العثمانية، استمرت الصحافة في التطور والازدهار.
في عام 1865، صدرت الصحيفة الرسمية “سوريا” باللغتين العربية والتركية العثمانية، مما يمثل علامة فارقة في تاريخ الصحافة المطبوعة في بلاد الشام. ومع نهاية الحكم العثماني وبداية الانتداب الفرنسي، شهدت الصحافة السورية انفجارًا في النشاط والإبداع، حيث ظهرت عشرات الصحف في دمشق وحلب ومدن أخرى.
عصر النهضة والتنوع
شهدت الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي ذروة الصحافة السورية، حيث تميزت بالجرأة والتنوع والانفتاح على النقاش العلني والنقد السياسي. كانت الصحف آنذاك تهتم بالأدب والثقافة، وتعكس اهتمامات الشارع السوري وتطلعاته.
من بين الصحف البارزة التي ظهرت في تلك الفترة “جريدة الأيام” و”جريدة ألف باء”، التي لعبت دورًا هامًا في التعبير عن الآراء الوطنية النقدية تجاه الانتداب والسلطة.
تحولات وتحديات في العصر الحديث
في عام 1963، ومع وصول حزب البعث إلى الحكم، شهد المشهد الإعلامي السوري تحولاً جذريًا. توقفت العديد من الصحف الخاصة والمستقلة عن الصدور، وفرضت الرقابة على وسائل الإعلام.
ومع وصول الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970، ترسخت هيمنة الدولة على الإعلام، واقتصرت الصحافة الرسمية على ثلاث صحف رئيسية: “الثورة” و”البعث” و”تشرين”.
في عهد الرئيس بشار الأسد، شهدت البلاد هامشًا محدودًا من الانفتاح، فصدرت صحف جديدة مثل “بلدنا” و”الوطن”، لكنها ظلت خاضعة للرقابة والقيود.
مع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، فقدت الصحف الورقية السورية معظم قرائها، وانتقلت المعلومات إلى الفضاء الرقمي. كما انتقلت الصحافة المستقلة إلى الخارج لممارسة عملها بحرية. هذا التحول أثر بشكل كبير على دور الصحف كمنصة رئيسية للمعلومات.
أهمية الصحيفة الرسمية الجديدة
أعلنت وزارة الإعلام السورية عن قرب صدور أول صحيفة ورقية رسمية بعد سنوات من التغييرات، وهي جريدة “الثورة”. تكمن أهمية هذه الخطوة في عدة جوانب، وفقًا لتصريحات الوزارة.
- أولاً، تمثل الجريدة الرواية الرسمية للدولة وتعكس مواقفها وسياساتها بوضوح.
- ثانيًا، تحفظ الأخبار والقرارات تاريخيًا بنسخة ورقية موثوقة وغير قابلة للتلاعب.
- ثالثًا، تشكل الجريدة مرجعًا قانونيًا لنشر القوانين والأنظمة والقرارات الرسمية.
- رابعًا، تحمي السجل العام من الاختراق الرقمي أو تعديل المحتوى بعد نشره.
بالإضافة إلى ذلك، قد تساهم الصحيفة في تعزيز الثقة بين المواطنين والحكومة، وتقديم معلومات دقيقة وموثوقة حول التطورات الجارية في البلاد.
يبقى السؤال المطروح هو ما إذا كانت الصحافة المطبوعة ستتمكن من استعادة دورها السابق في سوريا في ظل التحديات التي تواجهها، وتزايد الاعتماد على وسائل الإعلام الرقمية. من المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة تطورات هامة في هذا المجال، مع إطلاق الصحيفة الجديدة ومتابعة ردود فعل الجمهور.
الخطوة التالية ستكون مراقبة توزيع الجريدة وتقييم مدى تأثيرها على الرأي العام. كما سيكون من المهم متابعة التطورات في مجال الإعلام الرقمي، وتقييم مدى قدرة الصحافة المطبوعة على التكيف مع هذه التغيرات.






