شهدت طرابلس في 4 ديسمبر انعقاد مؤتمر شبابي وطني بارز تحت مظلة المنتدى الوطني للوحدة والسلام، حيث اجتمع مئات الشباب الليبيين من مختلف أنحاء البلاد لصياغة رؤية مشتركة لمستقبل ليبيا. ويأتي هذا الحدث بعد المنتدى الوطني الواسع في 15 نوفمبر والمؤتمر النسائي في 22 نوفمبر، في مؤشر على بروز حركة مدنية واسعة تتمحور حول الوحدة والهوية وتجديد المؤسسات.
وشارك في المؤتمر شباب من الشرق والغرب والجنوب، واصفين الحدث بأنه امتداد طبيعي لمسار الحوار الوطني الذي أطلقه الأمير محمد الحسن السنوسي، وعُقد في عدد من المدن الأوروبية خلال الأشهر الماضية. وقد جمع هذا المسار ليبيين من شرائح مختلفة لمناقشة الهوية الوطنية ورسم ملامح مستقبل البلاد. ويُنظر إلى مؤتمر الشباب بوصفه أول ترجمة فعلية وواسعة لهذا الحوار على الأرض داخل ليبيا.
وخاطب الأمير محمد الحسن السنوسي المشاركين عبر الاتصال المرئي، مشجعاً الشباب الليبيين على القيام بدور فاعل في رسم مسار بلادهم. وقد اتسمت كلمته بروح توحيدية وأكدت أهمية التماسك الوطني في وقت يبحث فيه الكثير من الليبيين عن إطار مستقر وشامل قادر على توجيه مسار التنمية طويلة الأمد.
ومن أبرز ملامح المؤتمر التعبير الواسع والواضح بين الشباب الليبي عن دعمهم لفكرة أن النظام الملكي الدستوري يمثل أساساً عملياً لمستقبل البلاد. وناقش المشاركون دستور الاستقلال لعام 1951—الذي يرى الكثيرون أنه لم يُلغَ بشكل قانوني وبالتالي لا يزال سارياً—بوصفه إطاراً تاريخياً وفر وحدة وحقوقاً واستقراراً مؤسسياً. وأشاروا إلى دوره في ترسيخ الحق في التعليم، وتأسيس أول جامعة ليبية، ودفع عجلة بناء مؤسسات الدولة في بداياتها.
وأكد المتحدثون أن شباب اليوم، وهم الأغلبية السكانية، يبحثون عن وضوح في الرؤية بعد سنوات من عدم الاستقرار. وأوضح الكثيرون أن المبادرات السياسية المتعاقبة منذ عام 2011 لم تتمكن من تحقيق الإجماع أو تقديم نتائج ملموسة. وقد تركت الترتيبات الانتقالية المتكررة وتعدد الهياكل الحاكمة والتدخلات الخارجية الشباب من دون إدراك واضح لاتجاه بلدهم. وفي هذا السياق، وصف المشاركون تجدد الاهتمام بالإطار الدستوري الأصلي لليبيا بأنه حل وطني خالص، صاغه الليبيون بأنفسهم، وينطلق من تاريخ بلادهم بهدف بناء مستقبل موحّد ومستقر.
وقال أيمن شيلي، عضو اللجنة المنظمة، إن هذا التوجّه يمثل «خلاصة ثمانية عشر شهراً من الحوار الوطني وإعادة اكتشاف هويتنا الدستورية»، مضيفاً:
«نحن موحّدون خلف الإطار القانوني الوحيد الذي جمع ليبيا على أساس شرعي—دستور 1951—وسنحمل هذه الرسالة إلى كل مدينة وقرية.»
وتم وصف هذه التعبئة بقيادة الشباب بأنها تحوّل واضح مقارنة بالسنوات الماضية، حيث كانت النقاشات السياسية تركز غالباً على ترتيبات قصيرة الأمد بدلاً من الأطر الوطنية طويلة المدى. ويرى الشباب أن جيلهم يجب أن يكون في صلب المرحلة المقبلة، وأن يقدم رؤى جديدة حول الحكم والتنمية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي.
وفي السعودية ومنطقة الخليج عموماً، تحمل هذه التطورات دلالات مهمة. فالاستقرار في ليبيا ينعكس على أمن شمال أفريقيا، وعلى فرص تعزيز الربط الاقتصادي عبر المتوسط، وعلى التحسّن الإنساني والتنموي في العالم العربي. وأفادت مصادر تم التشاور معها في المملكة بأن بروز حركة شبابية منظمة ترتكز على إطار دستوري شرعي يُنظر إليه بإيجابية في الرياض، ويُعد مؤشراً مشجعاً على إمكانية دخول ليبيا في مسار أكثر استقراراً وتماسكاً. ويُنظر إلى ليبيا الموحدة ذات المؤسسات القوية باعتبارها شريكاً قادراً على تعزيز التعاون الإقليمي والمساهمة في استقرار طويل الأمد.
كما يرى مراقبون خليجيون أن صعود صوت شبابي وطني منظم يمثل تطوراً مشجعاً، ويمكن أن يساعد في تقوية المؤسسات وتعزيز الوحدة الوطنية. وقال إبراهيم الهوّيجة، رئيس برلمان الشباب الليبي:
«لقد تعلّم جيلنا من تاريخ ليبيا. ففي ظل دستور 1951، تأسست الجامعات، وتوسعت الحقوق، ووُضعت أسس الدولة الحديثة. إن استعادة هذا الإطار—وفق رؤية الأمير محمد الحسن السنوسي—ليست عودة إلى الماضي، بل استعادة لنقطة البداية الشرعية لبناء مستقبل ناجح.»
واختتم المؤتمر أعماله بتأكيد المشاركين التزامهم بمواصلة الإسهام في المبادرات الوطنية ودعم الجهود التي تعزز الوحدة وتوسّع المشاركة وتدعم الاستقرار في مختلف مناطق ليبيا. وأكد المنظمون أن دور الشباب سيبقى محورياً في بناء مستقبل يعكس طموحات الجيل الصاعد ويعزز موقع ليبيا داخل محيطها العربي.






