أظهرت دراسة حديثة أن ممارسة الرياضة بانتظام، وخاصة في منتصف وبعد الأربعينيات، قد تقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بالخرف. وتهدف هذه النتائج، التي نشرت في مجلة جاما، إلى تسليط الضوء على أهمية النشاط البدني كعامل وقائي محتمل ضد هذا المرض العصبي التنكسي المتزايد. وقد أجريت الدراسة من قبل باحثين في جامعة بوسطن بالولايات المتحدة.
شملت الدراسة بيانات من أكثر من 4300 شخص بالغ، وتم تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات عمرية مختلفة: الشباب، منتصف العمر، وكبار السن. وراقب الباحثون هؤلاء المشاركين لسنوات عديدة، لتقييم العلاقة بين مستويات النشاط البدني وخطر الإصابة بالخرف، بما في ذلك مرض الزهايمر.
النشاط البدني والخرف
وتبين أن هناك علاقة قوية بين ممارسة الرياضة في منتصف العمر وأواخره وانخفاض خطر الإصابة بالخرف. على عكس ما قد يعتقد البعض، لم يجد الباحثون صلة كبيرة بين النشاط البدني في سن مبكرة وخطر الإصابة بالخرف في وقت لاحق من الحياة. ومع ذلك، أظهرت النتائج أن الأشخاص الذين حافظوا على نمط حياة نشط في منتصف العمر كانوا أقل عرضة للإصابة بالخرف بنسبة تصل إلى 41% مقارنة بأولئك الذين كانوا أقل نشاطًا.
ولتقييم النشاط البدني، استخدم الباحثون استبيانًا يطلب من المشاركين الإبلاغ عن مستويات نشاطهم البدني، بما في ذلك الوقت الذي يقضونه في النوم والأنشطة الخفيفة والمتوسطة والشاقة. وبناءً على هذه المعلومات، تم تصنيف المشاركين إلى خمس مجموعات، من الأقل نشاطًا إلى الأكثر نشاطًا. وقد ساهم هذا التقييم الذاتي في تحديد الأنماط المرتبطة بخطر الإصابة بالخرف.
نتائج مفصلة حسب الفئة العمرية
بالإضافة إلى ذلك، وجد الباحثون أن الأشخاص الأكثر نشاطًا في أواخر العمر شهدوا انخفاضًا مماثلًا في خطر الإصابة بالخرف، حيث بلغت النسبة حوالي 45% مقارنة بالمجموعة الأقل نشاطًا. هذه النتائج تؤكد أهمية الحفاظ على النشاط البدني طوال الحياة، ولكنها تشير بشكل خاص إلى الفترة بين الأربعينيات والسبعينيات على أنها حاسمة.
مرض الزهايمر كجزء من الصورة الأكبر
وكانت النتائج ثابتة أيضًا عند النظر إلى مرض الزهايمر على وجه التحديد، وهو النوع الأكثر شيوعًا من الخرف. ومع وجود نسبة تمثل 60% من الحالات الكلية للمرض، فإن العلاقة بين النشاط البدني وتقليل المخاطر في هذه الحالة تحمل دلائل قوية.
وأشار الدكتور فيليب هوانغ، الباحث الرئيسي في الدراسة، إلى أن “النتائج التي توصلنا إليها توضح أهمية النشاط البدني في منتصف العمر وأواخر العمر كإستراتيجية محتملة للوقاية من الخرف وألزهايمر”. وتعزز هذه النتائج التوصيات الصحية القائمة التي تشجع على ممارسة الرياضة بانتظام للحفاظ على صحة الدماغ والجسد.
وتشير الأدلة المتزايدة إلى أن عوامل نمط الحياة، مثل النظام الغذائي وممارسة الرياضة والتفاعل الاجتماعي، تلعب دورًا هامًا في الحد من خطر الإصابة بالخرف. على الرغم من أن العوامل الوراثية يمكن أن تزيد من القابلية للإصابة بالمرض، إلا أن التغييرات في نمط الحياة يمكن أن تساعد في تأخير ظهور الأعراض أو حتى منعها. ويعتبر الخرف تحديًا صحيًا عالميًا متزايد الأهمية، مع تقدم مجتمعاتنا في العمر.
الخطوات التالية والآفاق المستقبلية
من المهم الإشارة إلى أن هذه الدراسة أظهرت وجود ارتباط، ولكنها لم تثبت علاقة سببية. وبالتالي، هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتحديد الآليات البيولوجية الدقيقة التي تربط النشاط البدني بتقليل خطر الإصابة بالخرف. يجري حاليًا تصميم دراسات سريرية لتقييم فعالية التدخلات القائمة على التمارين الرياضية في الوقاية من الخرف وعلاجه.
ومن المتوقع أن يتم خلال الأشهر القليلة القادمة، نشر تحليل أعمق لنمط حياة المشاركين، بالإضافة إلى العوامل الوراثية المحتملة، وذلك بهدف تحديد أفضل الاستراتيجيات الوقائية. سيتم التركيز بشكل خاص على أنواع التمارين الأكثر فعالية، والمدة والتكرار الأمثلين، للفئات العمرية المختلفة.






